شعار قسم مدونات

مرتب ورتبة.. ثمن روحك

Yemeni protesters hold a banner reading 'Taiz is home of revolutions, not a den of militias' during a protest against the Houthi takeover of several state facilities in the central city of Taiz, Yemen, 22 March 2015. Yemen's Shiite Houthi rebels swept into the strategic central city of Taiz, capturing several state facilities in the city including the city's airport, airbase and a court complex.

لم يكن "عزرائيل" يوما وكيلا لأحد من البشر وإن سعى الكثيرون خصوصا من طبقات الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري لمنحه هذه الرتبة، وتشويه صورة هذا المَلك الموكل بقبض الارواح لننتقل الى عالم جديد ومختلف.

 

 لقد حرص منازعوا "عزرائيل" على سلطته ومهامه على إظهاره كأداة بـ"أيديهم" يختطف الأحلام ويزرع الأوجاع أو هكذا أرادوا تصويره لنا نحن معاشر المواطنين الطيبين المغلوبين على أمرنا.

 

 لقد حُمل "عزرائيل" فوق طاقته وبات شماعة تعلق عليها كل سيئات البشر وسلوكياتهم غير السوية. وفي صبيحة التاسع والعشرين من أغسطس 2016 هز انفجار عنيف مركزا للتجنيد في مدينة عدن جنوب اليمن خلف نحو خمسين قتيلا وعشرات الجرحى.

 

حرص منازعوا "عزرائيل" على سلطته ومهامه على إظهاره كأداة بـ"أيديهم" يختطف الأحلام ويزرع الأوجاع

و تداول ناشطون فيما بعد فيديو -الذي صوره إرهابي آخر من على منزل بعيد نسبيا عن المكان -يظهر لحظة التفجير، و بدأ بسرد بالغ القذارة والتلذذ بالدم. لقد كرس هذا الشخص نفسه كإله يوزع صكوك الغفران والعذاب هنا و هناك.

 

ويقول المتحدث الذي بدا إنه في مقتبل عمره وقد جرى غسيل مخه حتى وصل إلى هذه الحالة "بإذن الله أخونا ابو عبيدة ينفذ عملية استشهادية  نسأل الله سبحانه وتعالى ان يمكنه من الكفار ، اللهم مكن له

اللهم ثبته يا رب".

 

 والكفار الذين يقصدهم هنا هم الشباب الذين حاولوا أن يجدوا لهم موطئ قدم في الحياة بعد ان تقطعت بهم السبل في وطن تزداد فرص الموت فيه يوميا.

 

وفي الثواني التالية من الفيديو دوى انفجار عنيف ليكمل ذات الشخص دعائه الموحش، فبدلا من تأنيب الضمير أخذ بالتكبير والبكاء فرحا بالدماء التي ازهقها رفيق فكره الضال الذي لقي حتفه في العملية لتمزق ما بقي منه لعنات الأمهات والزوجات والأبناء الذين استبشروا بأن من يعولونهم اقتربوا أخيرا من الحصول على فرصة عمل، ولو في أخطر مكان في هذه الفترة من الزمن وهو أن تكون جنديا في وطن قابضي الأرواح فيه اكثر من صانعي الحياة.

 

هذه الحادثة نبشت من الذاكرة الكثير من البيانات التي تلي مثيلاتها في بلادي المحترقة بالنيران التي اشعلتها مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية منذ قرابة العامين.

 

ويتضح من كل تلك البيانات أن الشيء الوحيد الذي تحقق للأسف هو اعتماد مرتب جندي لكل شهيد ومنحه رتبة في الجيش أو الأمن ليتحولوا لمجرد أرقام في كشوفات المالية والرتب فيما بقي ما يتعلق بكشف الجناة ومحاسبتهم وتقديمهم إلى العدالة وغيرها من الكلمات الفضفاضة بعيدا عن التنفيذ ابتداءا من جريمة التفجير الذي طال العشرات من الجنود في 21 مايو 2012 بميدان السبعين في صنعاء.

 

ومرورا بمجزرتي مستشفى 22 مايو بالعرضي وكذا المتقدمين لاختبارات القبول في كلية الشرطة ثم اقتحام معسكر اللواء 310 بعمران، وتصفية قائده العميد حميد القشيبي وعدد من الضباط  ومجزرة معسكر الصولبان في عدن وأخيرا استهداف المجندين في كتائب المحضار بمدينة عدن، وما بينهما العشرات من العمليات الإرهابية.

 

في بلد كاليمن ساهمت الحرب والأزمات التي قادتها الثورة المضادة من بداية 2012 في خلق أزمات طاحنة ومتتالية

وركزت تلك العمليات في مجملها على استهداف شباب تغلقت كل الأبواب أمامهم للحصول على فرصة عمل مناسب، ولم يجدوا بدا من الاتجاه إلى السلك العسكري بشقيه الرسمي والمليشياوي رغم المخاطر التي تحدق بهم، حيث بات الكثير من المجندين يعودون جثثا هادمة لأسرهم مع وعود باعتبارهم شهداء وطن ومنحهم مرتبات ظلوا يبحثون عنها طيلة حياتهم وحين اقتربوا منها رحلوا ولم تتكحل عيونهم بفرحة استلام اول مرتب.

 

 

 في بلد كاليمن ساهمت الحرب والأزمات التي قادتها الثورة المضادة من بداية 2012 في خلق أزمات طاحنة ومتتالية الأمر الذي دفع بمليون ونصف مليون عامل خلال العام الاخير فقط إلى ميدان البطالة لينضموا ليس إلى طوابير وإنما مليونيات البطالة،  فيما لا تلوح أي مؤشرات في الافق بإمكانية تحقيق مطالبهم في العودة للعمل.

 

 

ففي الوقت الذي أوصدت فيه كل الأبواب أمام الشباب والخريجين في مختلف التخصصات والقطاعات، وتوقفت وزارة الخدمة المدنية منذ اربعة أعوام على الأقل عن فتح ابواب التوظيف بشكل رسمي.

 

 

بقي بابا وحيدا أمام البعض للحصول على القليل من المال من خلال الالتحاق بالحروب وأمرائها الذين يتكاثرون أكثر من فرص الوظائف نفسها  بجرة قلم جندت مليشيا الحوثي والمخلوع مؤخرا من ستين إلى سبعين ألف شاب في السلكين العسكري والأمني لضمان استمرار نفوذها في هذه المؤسسة.

 

وأظهرت الأحداث أنها تتحكم بجميع مفاصلها منذ أمد، فيما أكثر من ثلاثمائة ألف خريج جامعي وفقا لإحصائيات غير رسمية لم يحصلوا على أي فرصة عمل بعد وليس أمامهم من خير غير الانتظار طويلا او الالتحاق بتوابيت التوظيف المسلح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.