شعار قسم مدونات

ماذا أخسر لو جربتُ منتجاً عشبياً ؟

blogs-plant
زارَهُ جارُهُ المُهذّبُ أبو ثابت، وهو رجلٌ أربعينيٌ مكافحٌ مُجدٌّ، يعمل سائقاً لسيارة أجرة، وبرغم ضيق حاله، وتواضع دخله الماديّ، لم يذكر أنه رآه يوماً عابِساً أو حزيناً..
أما اليوم فقد رآه حزيناً كئيباً منهاراً، أخبره بصوت باكٍ حزين: لقد أصيبت والدتي بالسرطان، وقد نصحنا الأطباء بالبدء بالعلاجات الكيماوية، تابعَ قائلأ: لقد نصحني من أثق بهم بتجريبِ منتجٍ عشبي، يُعدُّهُ خبيرُ أعشابٍ، وعندما حاول أن يثنيه عن هذه الفكرة.. خاطَبَهُ متسائلاً: وماذا أخسر.. لو جربت لوالدتي منتجاً عشبياً، إن لم تستفِد منهُ فلن تخسَرَ شيئاً.

وهذا هو السيناريو المكرور الذي يواجهه الكثيرون من العاملين في الحقل الطبي: يتم تشخيص المريض بأحد الأمراض المزمنة، أو أحد الأمراض الخبيثة التي عجز الطب الحديث عن إيجاد حل ودواء لها، وبعد أن يتلقى المصاب أو ذووه الخبر ويبدأ باتباع خطة علاجية، يستعيد المريض الأمل بعد قراءته لإعلان في صحيفة أو تلقيه لنصيحة من عزيز بتجريب منتج عشبي يوصف على أنه علاج نافع وسبق علمي لأحد السادة العاملين بالأعشاب.

والسؤال الذي تحاول هذه المدونة الإجابة عنه هو: وماذا أخسر لو جربت منتجاً عشبيّاً ؟ لعلاج داءٍ أصبت به، أو لطفلي المصاب حديثاً بالسكري، أو لوالدتي التي اصيبت مؤخراُ بالسرطان؟ إن لم أستفد فلن أخسر شيئاً!

الحقيقة أنّك ستخسر شيئاً أو أشياءً!

1-  أنك ستمنّي نفسك أو المريض بأمل كاذب 
إنّ أسوأ ما في ادعاءات الشفاء والعلاجات التي يطلقها اناس كُثر حول العالم تحت مسميات مختلفة (طب بديل، علاج بالأعشاب، علاج روحي )، أنها تعطي أملاً كاذباً لأناس أرهقهم المرض وعجز الطب لحد اللحظة عن إيجاد حلول لمشاكلهم، وينطبق عليهم أنهم غرقى يتشبثون بقشّة، والأمل الكاذب جريمة.. وهو اتّجار بآلامهم. وجدير بالذكر أنّ أحد المباحث المهمّة التي يتم تدريسها في كليات الطب هو تجنّب تقديم تطميناتٍ كاذبة أو غير مضمونة للمريض لأنها لا تقل قسوةً وسوءً عن تقديم تشخيص خاطئ للمريض.

2- أنك ستتسبب في إفساد البرنامج العلاجي لفترة من الزمن
وهذه إحدى المشاكل المرتبطة بتجريب المنتجات العشبية، إذ يتم تقديم المنتجات على أنها بدائل عن العلاجات الطبّية، وبالتالي فإن المصاب سيتخلى مرحليّا عن علاجاته الطبيّة التقليدية أو يخفف جرعات الأدوية، وقد لا يحدث ذلك اختلالا آنيّا لوضع المريض، لكنه كثيراً ما يفسد عليه حياته وينغّصها بسبب دخوله في سلسلة نوبات من الاضطرابات الناجمة عن اختلال برنامجه العلاجي لفترة من الزمن.

للأسف، يتم تقديم الكثير من المنتجات العشبية على أنها سبق علمي واختراع مكلف، وبالتالي يدفع المريض أو ذويه ثمن العلاج الذي كثيرا ما يكون منتجاً بسيطاً غير مكلف.

3- إن أحداً لا يستطيع أن يقيس النتائج والتأثيرات الايجابية والسلبيّة للأعشاب ما لم يتم ترخيص استخدامها كعلاجات للبشر
الفرق بين الأدوية المصنّعة والأعشاب الطبيعية هي أن الأولى قد خضعت لسلسلة من المراحل والأبحاث التي أدت إلى قياس دقيق لتأثيراتها الإيجابية والسلبية وفاعليتها ومدى أمان استخدامها للبشر، فيما يتم استخدام الثانية دونما قياس دقيق لكل هذه التبعات الايجابية والسلبية، فمثلا يمكن معرفة أن الجرعة الفلانية من الإنسولين سوف تهبط بمستوى السكر في الدم بنسبة معيّنة مقاسة ومعروفة وموثّقة، بينما لا يمكن لأي أحد ان يخبرك بقياس دقيق ومضبوط لنتائج وتأثيرات المنتجات العشبية القريبة والبعيدة المدى.

4-  كثيراً ما يتم استغلالك ماديّا
للأسف، يتم تقديم الكثير من المنتجات العشبية على أنها سبق علمي واختراع مكلف، وبالتالي يدفع المريض أو ذووه ثمن العلاج الذي كثيرا ما يكون منتجاً بسيطاً غير مكلف، وفي النهاية يتم استغلال مصاب مكلوم بنبأ اصابته بالسرطان مثلاً، دونما شفقة عليه وعلى ذويه الذين يكونون بأمس الحاجة لثمن هذه المنتجات، ولك أن تتخيل أعداد المجرّبين الذين يتم استغلالهم ماديا بمنتجات كثيرا ما تكون الكلفة الحقيقية لتحضيرها أقل من ثمن العبوات الموضوعة فيها.

وبناء على ما سبق..
إن قررت أن تجرب منتجاً عشبيّاً لك أو لغيرك، فستخسر أو سيخسر نفسيّا وصحيّا وماديّا، وستخسر وسيخسر قبل هذا وبعده وقتاً، هو بلا شك يشكل في مجموعه حياته وحياتك.

عانقَ جارَهُ معزِّياً بوفاةِ والدتهِ، وفيما صافحه مودِّعاً، أخبره بأنَّ عليه أن يعمل لمدة نصفِ عام – ليلَ نهار- ليتمكن من سداد المبلغ الذي استَدانَهُ لشِراءِ المنتجِ العُشبِيِّ للمرحومةِ والدتهِ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.