شعار قسم مدونات

في زماننا لا ترتدي النقاب!

blogs - niqab
منذ فترة بسيطة كنت أنتظر طائرتي في مطار فرانكفورت في ألمانيا، كان وقت الانتظار طويلا، وكان اكتشاف المطار كله أمر مستحيل، إلا أن هذا لم يمنعني وأصدقائي من التجول في المكان، تقريبا المحجبات في المطار كن معدودات لا يتجاوزن الخمسة على الرغم من أننا في أكثر الأماكن عمومية في ألمانيا، وكان الشيء المشترك بيننا ليس حجابنا فقط بل ابتسامتنا أيضا.

والسبب برأيي ليس لأننا ودودات جدا أو غير متعبات بل لأننا محط أنظار الجميع، ونريد أن نشعر الآخرين بأننا أناس عاديين مثلهم تماما، وهذا متعب أكثر من تعب السفر نفسه فكرة أنك مضطر للابتسامة وإخفاء تعبير وجهك الحقيقي لكي تقول للآخرين أنا لست "إرهابي"، حقا أمر متعب!.

راقبت المرأة المنقبة أثناء الصعود؛ كانت تمسك في الرجل والخوف بادٍ في عينيها، ولأول مرة في حياتي أشعر بمعنى أن تكون خائفا لأنك "مختلف"!.

أثناء تجولي مع الأصدقاء كنت المحجبة الوحيدة بينهم فكان منظري غريب جدا، حيث كان الجميع ينظر إلي نظرة مليئة بالحقد أحيانا والخوف احيانا أكثر ويبتعد من طريقي- هذه إحدى ميزات الحجاب إن كنت متأخرة عن طائرتك، الطريق دائما مفتوحا لكِ- وأحيانا كان يمسك أطفاله ويغير الاتجاه.

وأحيانا كانت صديقتي غير المحجبة تضطر لاحتضاني لتخبر الآخرين أننا معا ليشعروا بالأمان، صحيح أني لم أشعر بالخوف إلا أن الأمر كان مؤلما بعض الشيء، لكن في المقابل لم أقلق كثيرا فأنا لم أكن بعيدة عن أخبار العالم وكنت أعلم كيف يصور الإعلام الإسلام والمحجبات.

عندما حان موعد الانطلاق كان لابد لنا من الذهاب إلى بوابة الإقلاع وكان الجميع يسير بسرعة لكي يصل في الموعد المحدد، وعندما ضغطنا على المصعد كان هناك أكثر من خمسة عشر شخصا ينتظرونه معنا، من بينهم رجل بملامح عربية وبجانبه امرأة منقبة تتشح بالسواد.

وصل المصعد بينما المصعد الآخر لم يصل بعد، وعندما فتح الباب دخل الرجل وأمسك بيد المرأة المنقبة ودخلنا نحن بعده كان المكان يستوعب أربعة أشخاص آخرين انتظرنا أن يدخل أحد نظرنا إليهم فأشاحوا بنظرهم عنا، عندها فهمنا الموضوع، أُغلق الباب وانطلق المصعد، راقبت المرأة المنقبة أثناء صعوده كانت تمسك في الرجل والخوف بادٍ في عينيها، ولأول مرة في حياتي أشعر بمعنى أن تكون خائفا لأنك "مختلف"!.

هذه الحادثة مرت عني مرور الكرام لم أتذكرها ولم أفكر بها، حتى أنها لم تخطر في بالي إلا عندما صرخ بوجهي أحد المراهقين الأوروبيين في احدى الأسواق ""ISIS يومها شعرت بنظرات تلك المرأة، وشعرت معنى أن تعيش تجربة مخيفة في بلاد غريبة، وكفتاة تسافر لعشرة أيام فقط ومن ثم تعود إلى عالمها شعرت بنعمة العودة إلى البلاد، بلاد معتادة على تقبل الآخرين كيفما كانوا، هذه الفكرة ظلت في بالي يومين فقط من العودة إلى أن التقيت بمنقبة في بلد عربية.
"في كل مرة يطلب مني زوجي الخروج أخاف وأتردد وأحيانا أتحجج ليغير رأيه، فأنا أعلم أنّا سنعود إلى البيت بمشاجرة أو لا نتحدث مع بعضنا البعض، على الرغم من اننا خرجنا لنستجم أو لنحتفل أو لنمضي ليلة رومانسية في إحدى المطاعم، سيقول لي كالمعتاد هيا إلى المنزل انت من اخترتي هذه الحياة في كل مرة أشعر بها بضيق من أحد نعتني بصوت مرتفع داعش، أو لأن أحد المطاعم لم تستقبلنا بود، أو لأن عائلة ما غيرت طاولتها بإحدى المطاعم عندما قررنا أن نجلس بطاولة مجاورة، أنا ارتديه لأنني أحبه ومؤمنة به أنا متعلقة به جدا ولا استطيع أن أتخيل حياتي بدون نقاب". هذا ما قالته لي إحدى المنقبات وهي تبكي بحرقة في إحدى الحمامات بأحد المطاعم يوما.

كنت أظن أن النقاب  شيء يمنع النساء من الإبداع إلى أن عرفت أنهن يستطعن أن يعملن ويختلقن ويعشن ويبدعن وهن يخفيّن وجوههن.

تابعت كلامها والدموع في عينيها، "هذه حياتي مع أني أعيش في بلد عربي، وأضحي بكثير من الأمور لأتمسك به، أحيانا كنت أرفض رحلة مع زوجي إلى دولة أوروبية لأني أعرف أنه غير مرحب بي هناك وأنا لا استطيع أن أخلعه فقط لأجل رحلة ما، زوجي كان يتقبل الأمر في البداية لكن اليوم يعتبره سبب مشاكل العالم كله، ما ذنبي أنا بمن شوهوا صورته؟  قولي لي ما ذنبي لكي أرفع عن وجهي بعد سبع سنوات من الارتداء فقط لأن العالم يخاف مني ويعتبرني إرهابية؟"

في السابق وفي كل النقاشات التي عشتها كنت ضد فكرة ارتداء "النقاب" بحجة أن الوجه هو الهوية، وجزء كبير من الشخصية، وهو الشيء الأول الذي يعطي انطباعا للآخرين عنا، فكيف نخفي هويتنا؟ لم أكترث يوما بأهميته بالنسبة لتلك الفتيات، كنت أظن أنه شيء يمنعهن من الإبداع إلى أن عرفت أنهن يستطعن أن يعملن ويختلقن ويعشن ويبدعن وهن يخفيّن وجوههن.

عندها قررت ألا أقلل يوما من قيمة فتاة ترتديه، وخاصة أولئك اللواتي يرتدينه حبا فيه وليس بسبب المكان أو الزمان أو حتى العادات والتقاليد، لأن هذا هو خيارهن ونحن في عصر الحرية التي يجب أن نحترمها حتى ولو لم تحترمها البلاد التي نعيش فيها، تعلمت أن أحترم الشخص لشخصه لا للباسه أن أحترمه لعقله لا لشكله.

آخر جملة قالتها لي هذه المنقبة قبل أن تمسح الدموع عن عينيها وتعود إلى طاولتها، "ادعي الله لي أن أحافظ عليه، هو أنا وبدونه لا أكون، سأخاف أن يأتي علي يوما أضطر فيه لخلعه فقط لكي أرضي الناس، أنا لا أطلب من أحد أن يرتديه ولطالما كنت أقول لصديقاتي الغير ملتزمات به إن لم تريه جزء منكِ اخلعيه، فدعوني أحيا حياتي بطريقتي، أرجوكم!".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.