شعار قسم مدونات

البحث العلمي .. قتيل لا بواكي له !

blog-مخترع

البحث العلمي هو فكر منظّم يقوم به شخص يدعى (الباحث)؛ للوصول إلى حقائق لحلّ قضيّة تسمّى (موضوع البحث)؛ إذ يتّبع طريقة علميّة تسمّى (منهج البحث)؛ ليصل إلى حلول تسمّى (نتائج البحث) .

لعل ما سبق ذكره جديد على البعض حيث لا يعرف بعضنا من "البحث العلمي" أي شيء ولا حتى التعريف كأدنى مستوى ! لا ألوم هنا أحدا،  لأن هذا المصطلح وتبعاته أصبحت عبئا ثقيلا على أصحابه في الوطن العربي لما يحتاجه من مال ومختبرات وأمور أخرى نفتقر نحن العرب لها .

لكي تحصل على دعم مادي من بعض الجهات المانحة المحلية لابد أولا أن تقاسمهم حلمك وطموحك ومنتجك ليأخذوا من النتيجة نسبة

الباحث : هو الشخص الذي يحدد المشكلة المطلوبُ حلّها ويكتب مخطط  طرق يؤدي بالنهاية إلى الحل المناسب للمشكلة الذي يمثل النتيجة المرجوة من البحث،وهنا لابد لهذا الباحث أن يكون من ذوي العلم وخاصة ذاك الذي يحتاجه لحل المشكلة ورسم الطرق لحلها، ثم لابدّ له أن يمتلك الصبر في البحث والعزيمة في تكرار المحاولة من جديد في حال عدم نجاح التجربة من إحدى الطرق التي رسمها للحل.

أما موضوع البحث فهو إما مشكلة تمثل عائاق ومصدر قلق لدى أفراد مجتمع معين أو لدى فئة معينة من المجتمع يحتاجون لتجاوزها بطرق علمية تجاوزا نهائيا ، وأما أن يمثل الموضوع إثراء لمحتوى علمي في قضية علمية معينة أو اختراع واكتشاف جديدين قد يمثلان ثورة في أحد  فروع العلوم المعروفة لدى الجميع.

ولكي يصل الباحث في موضوع بحثه إلى النتيجة المرادة لابد من طريقة علمية يسميها البعض "منهج البحث" حيث تمثل احتمالات الوصول إلى الهدف، لكنها -على غير الاحتمالات المعروفة بعشوائيتها– مبنية على أسس علمية وبحثية وضعت افتراضات شكلت مجموعة من الطرق لتقود إلى النتيجة المراد تحقيقها والبعيدة كل البعد عن مفهوم "المغالطات المنطقية" .

وفي نهاية كل طريق يأمل الباحث أن يصل إلى الهدف ألا وهو نتيجة البحث الذي قام البحث كله من أجل الخلاص إليها ، ولعل النتيجة حتى تكون مثالية يجب أن تتوافر فيها عدة شروط –برأيي- أهمها : قلة التكلفة المادية في تطبيقها ،قابلة للتطبيق ومرنة في التعديل والتطوير المستقبلي في الأبحاث القادمة، هذه النتيجة هي الخلاصة من البحوث العلمية والتشارك العلمي بين العلماء والباحثين الذين بالتأكيد قدموا كل ما يملكون من مال وعلم للوصول الى النهاية السعيدة من البحث تلك.

كل ما قلت سابقا هي قصة جميلة تبدأ بشخص طموح وتنتهي بالوصول للهدف، هذه القصة حتى تغدو سعيدة كما تبدو لابد للباحث في الوطن العربي أن يقاسي الأمرّين للوصول إليها،  ولكي تحصل على دعم مادي من بعض الجهات المانحة المحلية لابد أولا أن تقاسمهم حلمك وطموحك ومنتجك ليأخذوا من النتيجة نسبة مالية أو نسبة احتكار للمنتج تساوي أكثر من نسبة الباحث نفسه أحيانا كثيرة ، وأحيانا أخرى يضطر الباحث لبيع جزء من بحثه علّه يغطي بعض المصروفات على بحثه ليجد بأن الشخص الذي باعه البحث يلقى الحفاوة والترحيب من الجهات المحلية وحتى الحكومية المانحة على شيء لم يفعله ولا يستحق عليه كل تلك الحفاوة، حينما يقدم جزء البحث باسمه!

للأسف،  مع توسمي خيرا إلا أن البحث العلمي اليوم بانحدار شديد،، ذات يوم  أقرأ أحد الأبحاث لأحد العرب المختصين بالبحث، لم أجد في بحثه الذي صفق ورحب به البعض كالإعلام الفاقد للخبراء في تقييم المواد العلمية المعروضة -حالهم حال بعض الجهات الحكومية والخاصّة – أي شيء جديد كاختراع أواكتشاف، إنما صاغ العلم الموجود بطريقة أخرى، لا شيء جديد.

البحث العلمي اليوم قتيل لا قيمة له عند العامة ولا بواكي له ولا مراسم للدفن تليق به ،هو مصطلح صار ماضٍ في كتب التاريخ

ومع الثورات العربية وبروز قضايا مجتمعية كثيرة كالفقر، الأمن والإستقرار، ازداد عدم الإهتمام بالبحث العلمي لدرجة صار حال من طلب الدعم المالي والمعنوي من الجهات المناحة حال الطفل الذي يطلب من والده الفقير شراء عطر فاخر له وهو جائع لا يقدر على شراء الطعام.

كل ما سبق أدى إما الى هجرة العقول العربية الى دول تقدرها، أو تركهم للبحث العلمي والتفرغ للبحث عن لقمة عيش مناسبة له وعائلته،  للأسف أيضا الكل يريد منا كعرب أن نتطور في شتى المجالات دونما أن يقدموا لهذا التقدم أدنى دعم يذكر، وإن تم الدعم فالدعم يصرف للبحث لا للباحث وهذا سيؤدي بالتأكيد إلىىعدم التفرغ الكامل للقيام بما هو مطلوب للبحث.

يجب اليوم أن نعيد النظر في هذه القضية التي رأينا تأثيرات تركها في السنون السابقة والإعراض عن الإستثمار فيها ، لأن المستقبل بالتأكيد سيكون أسوأ مع هذا الإنحدار السريع في قلة الأبحاث العلمية ذات الكفاءة التي تمثل مادة جديدة في مواضيع علمية معينة،،بل وسنفقد أيضا الباحثين التقليديين لأن البحث سيغدو مهنة لا تجلب الرزق أبدا .

لا يحتاج الباحث العلمي سوى القليل من الأدوات ليتكيّف معها كما مختبرات بعض الجامعات وبعض المشاغل المحلية التي تصنع ما يحتاجه الباحث من هياكل وقطع مختلفة يوفر بها ثمن شراء هياكل وقوالب جاهزة هذا في مجال العلوم التطبيقية والنظرية التي لا يمكن الجزم بصواب النتيجة دونما التطبيق العملي للتجربة والحل المقترح.

اذاً البحث العلمي اليوم قتيل لا قيمة له عند العامة ولا بواكي له ولا مراسم للدفن تليق به ،هو مصطلح صار ماضٍ في كتب التاريخ ،أو تحفة لايزال البعض يحتفظ بها يسعى لترميمها لما علم فيها من قيمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.