شعار قسم مدونات

الأرصفة لا تستمع إلى الموسيقى

blogs-ss
الرصيف الذي يقع جوار بيتي يتلقى خطواتي بترحيب شديد دائمًا. في بعض الأيام يتكوم على نفسه ويترك قدمي تبحث عن أرض تخطو عليها، يحدث هذا نادرًا، لاحظت في الأيام الأخيرة أن مزاجه لم يعد كما كان.

مشاويري هذا الصباح محدودة على غير العادة، سأنطلق إلى الجامعة وبعدها سأبحث عن قهوة تركية فاخرة أو شوكولاتة أفاجئ بها الرصيف، تبدو هذه فكرة جيدة، ولكن الأهم منها أن أجلب طبيبًا مختصًا في أمراض الأرصفة.

لا أظنني سأجد طبيبًا يفهم لغة الأصفر والأسود، أو يشعر بمأساة رصيف شق أحدٌ بطنه وعبث بأحشائه ليمدد خرطوم أسود، ثم تُترك الأحشاء والجرح مكشوفًا بلا تعقيم أو ضماد، ولم يخبر أحد بقية الأرصفة ألا تخاف من إجراء ذات العملية الجراحية لها؛ لقد بهت لونها يبدو أنها فقدت الرغبة في مواصلة العيش هنا. ما الذي يمنع من حمل الرصيف المجاور إليه حتى يواسيه فالرصيف للرصيف نسيب. على أقل تقدير يجب أن يحضروا موسيقيًا ليعزف لها، لا لا هذه ليست فكرة جيدة فالأرصفة لا تستمع إلى الموسيقى، إنها تفضل قضاء الوقت متأملة في أحوال الطقس، ومحاولة الوصول إلى هدنة مع الشمس، لقد أخبرتها من قبل أن الشمس لا تغير رأيها هنا.
لم أعد أشك أن الرصيف مريض، إنه لم يعد يحاول إبعاد الظلال التي تشوش رؤيته للسماء، باستثناء الأيام الأخيرة كان يصرخ للسحاب كي تقضي معه ساعة في الحديث عن آخر المستجدات الطقس، واحتساء مشروب لا أعرفه؛ فاعتذرت بلطف ولم تعد لزيارته، أتمنى ألا يؤثر هذا على ثقة الرصيف بنفسه!
إن الأرصفة لا تؤمن بالطبقية التي تسيطر على الفكر الحذائي، ولا تغريه القطع النقدية التي تسقط عليه أحيانًا.

إنه كبقية أشقائه، كريم جدًا وصبور أيضًا، يتسع صدره للأحذية جميعًا، حتى أحذية الفقراء التي يستقبلها كما يستقبل أحذية الأغنياء تمامًا، إن الأرصفة لا تؤمن بالطبقية التي تسيطر على الفكر الحذائي، ولا تغريه القطع النقدية التي تسقط عليه أحيانًا؛ فيتركها للفقراء بطيب نفس.

كما لا يبالي بالخطوط السوداء التي ترسمها عجلات سائق متهورٍ على جسده. ويحتمل البصاق الذي يأتيه وكذلك فضلات الغربان والعصافير، حتى الحمام الخجول يستغل صبر الرصيف، وكذلك الأطفال الذين يحولونه إلى ملعب ومكب للعصائر والآيسكريم، تخيل أن يُدلق على رأسك آيسكريم أو عصير بارد و أنت تعاني من الرشح؟ إنه شعور مؤلم للغاية، لا أحد يشعر بسعال الأرصفة وطقطقة عظامها تحت سطوة الشتاء، إن الكائنات الوحيدة التي تحترم الرصيف هي القطط، لا تتبول عليه، ولا تتبرز، إنها تعبره فقط.

حتى الآن لم أستطع إقناع أي طبيب ليرافقني، أتمنى ألا يموت هذا الرصيف كما يحدث غالبًا لكل واحد أجريت له عملية جراحية، الواجب على أولئك تطوير تجاربهم للحد من الأعراض الجانبية والإهمال، لا أظن هذا سيحدث قريبًا، لأن الأرصفة لا تصرخ ولا تمارس أي ضغط، على الأقل يجب عليها أن تقوم بإضراب عام؛ حتى تخلوا المدينة من الأرصفة وتجتمع في ساحة عامة، وتوجه خطابًا إلى الجميع، فإن أحكامًا بالموت البطيء ستصدر على الرصيف المجاور لبيتي، وسيكون الوقع شديدًا على أصدقائه، سيرتاح من هذه العذاب إلى الأبد. من حقه أن يضع حدًا لحياته لم تعد تعجبه. لا يكفي أن يقيموا حفل تأبين أو سرادق للعزاء يحضره أعمدة الإنارة المجاورة، وأشقاؤه، يجب أن تصرخ الأرصفة كي تعيش!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.