شعار قسم مدونات

آسف أفلاطون.. الشعب في مجموعه جاهل وفاسد

أزمة الغاز بمصر

أتذكر في بداية دراستي للفكر السياسي الغربي مقولة الفيلسوف أفلاطون عن الديمقراطية "الشعب في مجموعه جاهل". وبما أنني أدرس في مجال نظري أتذكر في تلك الفترة مدى معارضتي لتلك المقولة لأفلاطون، وعلى وجه الخصوص نعته الديمقراطية بديمقراطية الغوغاء.

 

 

وأتذكر أيضاً عدم اقتناعي بآراء المحللين عن البيئة التي نشأ فيها أفلاطون والمجتمع الذي ترعرع فيه وأنه هو السبب في نظرته الدونية للديمقراطية، وبعد أن تعمقت في دراسة العلوم السياسية وكأن الصورة تتضح أكثر فأكثر في مجتمعات كتلك المجتمعات العربية التي نعيش فيها، والتي سادها الجهل بفعل فاعل أصبحت دائماً الديمقراطية تفرز الأسوأ.

 

 

 

لا نواجه فقط مشكلة الجهل بل نما الفساد أيضاً في أحشاء وطني ليمد جذوره العميقة في كافة أجهزة الدولة

بل والاكثر من ذلك اننا لا نواجه فقط مشكلة الجهل بل نما الفساد ايضاً في احشاء وطني ، ليمد جذوره العميقة في كافة اجهزة الدولة لكي يقيد حركتها بل لكي يشل حركتها ، وليس هذا وحسب بل اصبح الفساد اخطر من ذلك فقد اضحي يمثل ثقافة متجذرة عند كافة الناس بكافة الطبقات الكل يمارس الفساد علي من هم دونة حتي اصبحنا جميعاً فسدة.

 

 

اتذكر تلك المرة التي كنت فيها اقف في طابور ادارة المرور وكل يعلم في مصر ما هي ادارة المرور وما هو طول طابورها الذي يضرب به الامثال ، في ذلك اليوم كان الجميع ممتعض من ضياع الوقت في ذلك الطبور الضخم ولاكن لاحظت رجل بدين لم يتحمل تلك الوقفة وصاح في الموظفين وهو يقول" بلد كوسة كل الِّي معاه ضابط يخش يقضي مصلحتو ويمش واحنا واقفين من الصبح البلد دي مش هتنضف ابداً حاميها حرميها".

 

 

 

اقتربت من ذلك الرجل متحدثاً معه قائلاً " انتا متعرفش ظابط كان خلصلك الموضوع " رد علي بكل ثقة " والله اعرف كتير بس قلت اروح يمكن اخلصها ب نفسي لو حسابي هتاخر كدة كنت اتصلت بيه وكنت دخلت خلصتها من بدري".

 

 

مسرعاً قمت بالرد علية " طيب وانتا متضايق من اية مدام انتا بتحب المحسوبية والوسطة بتنكرها لية علي غيرك"، وكثير وكثير من تلك الحوادث التي تدل علي ان المحسوبية والفساد والوساطة لم تصبح سلوك اداري للدولة فقط، بل اصبحت ثقافة عامة لدي المواطنين ، حتي عامل البنزينة والفران اصبح يعمل في وقت الازمات بالذات بالوساطة والمحسوبية.

 

 

حتى انا لم اسلم من تلك الامور على الرغم من معانتي كثيراً منها في حياتي العملية، واضاعت مني الكثير من الفرص وهي دائماً تأتي علي حساب الأفقر لصالح الأغنى والاكثر نفوذاً ، ولكوننا نملك ايضا نفوذاً وقدر من المعارف في قريتنا الصغيرة كانت تصلنا المحروقات واسطوانات الغاز الي باب المنزل في عز ازمتها بعد ثورة يناير وفي اوقات الازمات.

 

 بينما نحن نستطيع ان نشتريها اضعافاً مضاعفة من السوق السوداء التي يسيطر عليها من اعتادوا البلطجة وهم من الطبقة الفقيرة وهو ما يعد ايضاً نوعاً من الفساد ، ولكن كنت دائماً افكر في الفقير الذي يقف بالأيام امام مستودع الاسطوانات ويضرب ويسب من اجل الاسطوانة وهو لا يقدر علي شرائها من السوق السوداء.

 

 

أصبحنا لا نعيش فقط في مجتمع وشعب في مجموعه جاهل، بل أيضا نعيش في مجتمع الشعب في مجموعه فاسد

دائماً كنت اسأل ماذا عساه ان يفعل ، وأتذكر ايضاً عندما كان هناك مرض متفشي في البلدة و اصدرت وزارة الصحة بعدم تلقي احد من المصابين العلاج داخل الصيدليات منعاً لتفشي المرض.

 

 

  وقد اصيب اخي بهذا المرض ثم ذهبت الي الصيدلي لكي ياتي معي الي المنزل لكي يعطيه جرعة المحلول وكان هناك احد الفقراء في القرية يترجاه بان يعطيه الجرعة لكنه رفض متعللاً بقرار وزارة الصحة، وانه ليس لديه وقتاً لكي يذهب معه الي المنزل وعلي الرغم من ذلك استجاب وبسرعة لطلبي لكي يذهب معي الي المنزل.

 

 وفي الحقيقة على الرغم من اني المستفيد من هذه المحسوبية وهذا الشكل من اشكال الفساد لكني تألمت كثيراً من غياب الرحمة من قلوبنا علي بعضنا البعض بالإضافة الي انتشار الفساد والمحسوبية كثقافة عامة بين الناس، ليس فقط كإدارة دولة غاب عنا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه" وقولة ايضاً "من لا يرحم لا يرحم".

 

 اصبحنا لا نعيش فقط في مجتمع وشعب في مجموعة جاهل بل أيضا نعيش في مجتمع الشعب في مجموعة فاسد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.