شعار قسم مدونات

تضامنوا مع الذئب

blogs - wolf

كم كان خوفي مبالغا فيه على ليلى حين كانت تقطف الكرز لوحدها من الغابة.. كم كنت ساذجا حين تعاطفت معها ضد كتلة الوبر الشريرة التي تربصت بها لتأكلها أو هكذا قيل لنا.. لا أدري كيف صدقت أن الذئاب تتنكر في ملابس الجدة لتنال من براءة طفلة زادها الحجاب جمالا.

كنت مخطئا.. أعترف بذلك.. لم يكن هنالك كرز لتقطفه ليلى ولا حتى جدة لتأكله.. فليلى لم تكن سوى متطفلة على غابة الذئب.. قوضت سكينة المكان بنشاز صوتها مرددة ألحان أغان شرقية قديمة.. لم تكن تتسكع بل كانت تبحث عن شيء ما في الغابة.. لم يكن الذئب يعي أنه هو الغاية وأن جسدها كان الوسيلة.. كانت تعرف جيدا أين تجده.. نعم هو في ذلك الكوخ في كبد الغابة يطالع كعادته الكتب ويدخن غليونه الكوبي باحثا عن توازنه الروحي بعيدا عن ضجيج مكب النفايات القريب من الغابة.
 

استفاق الذئب من غيبوبته ليعلم أن غابته كانت فريسة للصوص حين كان مخدرا بهوس حماية ليلى.

طافت ليلى بكوخه لأيام.. لم يعرها أي اهتمام.. لم تستطع تشتيت أفكاره إلى حين تجرئها على اقتحام كوخه عنوة مدعية الخوف من شيء ما.. لم يكن الذئب " ذلك المتلحف بنخوة العربي" ليرد من طلب اللجوء إلى حماه.. احتضنها وخفف من روعها.. توسلت إليه ألا يتركها فريسة لمخاوفها، فقبل بها.. شاركها غليونه وقص عليها رواياته ورسما معا أحلاما لغابة أجمل.

فالحقيقة لم تكن ليلى تهتم كثيرا لكلامه.. بل كانت تهتم أكثر لأثر صوتها فيه ومشيتها عليه.. وهو لم يكن ليرتاح لحدة نظرات عينيها الجميلتين غير البريئتين.. علم أنها كانت تخفي شيئا ما لم يدر ما هو.. لكنه وللأسف كان حملا معها لا ذئبا، فصدق نبرة صوتها وذبلان عينيها.. إلى أن وقع من حيث لا يدري ضحية مراودتها.

نعم استطاعت ليلى أن تضاجع الذئب.. ذلك الذي لم يدّعي الورع بقدر ما كان دوما متزينا بالكبرياء وزاهدا في شهوات الغابة.. وظنت أنها حققت هدفها من دخول الغابة وشعرت بالانتصار على من ظنت يوما أنه المستحيل.

استفاق الذئب من غيبوبته.. ليعلم لاحقا أن غابته كانت فريسة للصوص حين كان مخدرا بهوس حماية ليلى.. لم يفهم إلى حد اللحظة سر نشوتها.. فلطالما تساءل دوما حول ماهية المعركة التي خاضتها ليلى حتى تشعر بنشوة هذا الانتصار؟ أي شرف في معركة يكون فيها جسد ليلى سلاح؟ 

للأسف ظُلِم الذئب مرتين.. مرة حين اتهموه زورا بدم يوسف، ومرة حين تعاطفوا مع ليلى.

فالحقيقة لم يرهق الذئب باله كثيرا بالبحث عن أجوبة.. عاد إلى سالف عهده وطوى صفحة أقسم ألا يعود لها وطرد ليلى من غابته.. لم تشفع لها رسائل الإعتذار ولا محاولات الغواية.. كان عزاؤها الوحيد ذكرى تلك الليلة الحمراء.. نعم من حقها أن تستشعر لذة الإنتصار وهي التي ضاجعت سيد الغابة بعد أن اعتادت مضاجعة ضفادع البحيرة المجاورة.

ربما تألمت.. ربما ندمت.. ربما ذرفت الدموع.. ما أعرفه أن الذئب لم يكن ليهتم حين علم كيف كانت تروج عنه الأكاذيب وتصوره في صورة ذلك غير المتصالح مع نفسه وكأنها حاكم تفتيش عن الضمائر من القرون الوسطى.. لم يهتم حين علم أنها عادت لمراودة الضفادع.. حتى أنها أقنعت ضفدعا مقابل جسدها أن يخط لنا قصة "ليلى والذئب".. قصة "كان يا مكان في الغابة ليلى البريئة يتربص بها الذئب الغدار".. رواية كرهنا معها الذئب المسكين وقتل بسببها آلاف الذئاب ببيادق صيادين كانوا متضامنين في صغرهم مع ليلى.. 

للأسف ظلم الذئب مرتين.. مرة حين اتهموه زورا بدم يوسف، ومرة حين تعاطفوا مع ليلى.. تساءلت كثيرا حول أولئك الذين خدعتنا دعايتهم كيف استطاعوا استنزافنا لعقود للدفاع عن قضايا لم يؤمنوا بها يوما.. تألمت كيف استطاعوا أن يدفعوا بي للدفاع وبغيري للدفاع عما اعتقدنا أنه حق وكان غير ذلك.. لم يكن الذئب الضحية فقط فكم من شعوب أغوتها ليلى ولم تستفق إلا بعد أن سرق البلد..

لا تنخدعوا بليلى.. تضامنوا مع الذئب..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.