شعار قسم مدونات

اليمن.. ألف عام وطبول الحرب لم تتوقف

blogs - yemen
بالتحديد 1123عاما مضت منذ حطَ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين رحاله في صعدة شمال اليمن قادما من الحِجاز بدعوة من قبائل خولان لتحكيمه في بعض خلافاتها وذلك في العام 893 م وشروعه في تأسيس حكم زيدي وفقا لمذهب الإمام زيد بن علي ولكن بنسخته المعدلة والتي غلب عليها طابع الفكر الشيعي انطلاقا من صعدة ووصولا إلى صنعاء وانتشار أفكاره في مناطق شمال شمال اليمن تحت مسمى المذهب الهادوي ، منذ ذلك الحين واليمنيون يتخبطون على غير هدى تتقاذفهم الحروب ويعصف بحياتهم الجهل والفقر والمرض.

فلم يعد خفيا على أحد الوضع الذي آل إليه اليمن، بعد أن كان يسمى يوما ما بالسعيد، وكيف أن الحروب بكل تبعاتها المؤلمة؛ باتت خياره الإجباري والوحيد.

تعمدت القوى المتربصة والعابثة بأحلام اليمنيين إلى قرع طبول حرب جديدة ولكنها هذه المرة في شمال الشمال بمحافظة صعدة حاضنة الفكر الهادوي.

ولو أمعنا النظر فقط في المائة عام الأخيرة، وبعد رحيل العثمانيين من شمال اليمن وتولي الإمام يحيى حميد الدين مقاليد الحكم في العام 1918م كامتداد للمذهب الهادوي سالف الذكر فإن اليمنيين لم ينعموا ولو لعقد واحد على الأقل بالاستقرار.

إذ سرعان ما دقت طبول الحرب التوسعية التي خاضها الإمام يحيى لإخضاع مزيد من قبائل شمال وغرب اليمن لحكمه، ومرورا بالحرب اليمنية السعودية في العام 1924 والتي استمرت لعشرة أعوام سواء بين الأدارسة والسعودية أو بين الإمام يحيى والسعودية.

ومن ثم الحرب الأهلية التي أعقبت مقتل الإمام يحيى في 1948 وفشل الثورة الدستورية وتولي ولي عهده الإمام أحمد مقاليد الحكم من بعده ل 14عاما انتهت بوفاته و قيام ثورة 26سبتمبر 1962 وما أعقبها من حرب بين الجمهوريين بدعم مصري والملكيين بدعم سعودي والتي استمرت سبعة أعوام تحولت خلالها اليمن إلى ساحة حرب وتصفية حسابات بالوكالة بين ما كان يُوصف حينها بالتقدمية والرجعية.

وما إن لاحت بوادر الاستقرار حتى اندلعت حرب ما عرف بالمناطق الوسطى بين شطري اليمن وقبلها حرب الوديعة شرق اليمن في العام 1969 بين شطر اليمن الجنوبي آن ذاك والمملكة العربية السعودية، إذ لم يكن الوضع في الشطر الجنوبي من اليمن قبل إعادة تحقيق الوحدة بأحسن حالٍ مما هو عليه في الشطر الشمالي، فالجنوب كان يرزح تحت الاستعمار البريطاني الذي قوبل برفض شعبي تطور إلى كفاح مسلح تُوج بثورة أكتوبر 1963م، وبالإضافة إلى حرب الوديعة سالفة الذكر شهدت الساحة الجنوبية حروبا وتصفيات مازالت حاضرة في الذاكرة اليمنية وأبرزها أحداث العام 1986 الدامية علاوة على الحروب التي كانت تندلع من حين لآخر بين السلطنات الجنوبيّة بدعم من الاحتلال البريطاني الذي كان يرتكز على فكرة فرق تسُد.

وما إن تنفس اليمنيون الصعداء بتحقيق الوحدة اليمنية وكلهم أملا بأن يلج وطنهم إلى مرحلة الاستقرار بعد كل هذا الكم الهائل من الحروب بكل تبعاتها الكارثية عله يلحق بنظرائه من البلدان العربية على الأقل .. إلا ودقت طبول حرب 1994 بين شريكي الإنجاز الكبير المتمثل بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية والتي كانت سريعة وحاسمة لصالح ما عرف حينها بالشرعية والقضاء على المشروع الانفصالي .
وبدلا من معالجة آثار حرب صيف 94 التي كادت أن تقضي على حلم اليمنيين وآمالهم معا.

تعمدت القوى المتربصة والعابثة بأحلام اليمنيين إلى قرع طبول حرب جديدة ولكنها هذه المرة في شمال الشمال بمحافظة صعدة حاضنة الفكر الهادوي الأولى ومعقل جماعة ما بات يعرف اليوم بالحوثيين كممثل لهذا الفكر الدخيل على اليمنيين بكل ما طرأ عليه من إضافات وخرافات أهما الحق الإلهي في الحكم وشرط إشهار السيف لمن يرغب في الوصول إلى كرسيه.

وعلى الرغم من الحروب الست الماكرة التي شنها نظام الرئيس علي صالح منذ العام 2004م ضد الحوثيين أعداء الأمس حلفاء اليوم وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى من الجيش والمدنيين إلا أنها كانت بمثابة الفرصة التي أظهرت الحوثيين كأصحاب مظلومية فعمدوا إلى استثمارها مرتكزين على موروثهم الفكري الكبير في هذا الجانب لمحاولة العودة إلى حكم اليمن مرة أخرى بعد أكثر من نصف قرن على ثورة سبتمبر ضد حكم أجدادهم الأئمة من بيت حميد الدين.

يشهد اليمن أكبر حرب في تاريخها قضت على الأخضر واليابس وقبل ذلك على أحلام اليمنيين وتطلعاتهم وفاقمت من معاناة هذا الشعب المنهك.

مرة أخرى لاحت الفرصة أمام اليمنيين باندلاع ثورات الربيع العربي انطلاقا من تونس ومن ثم مصر فترك اليمنيون أسلحتهم وثاراتهم وخلافاتهم جانبا وخرجوا إلى الساحات في ثورة شعبية شهد العالم كله بسلميتها للتخلص من نظام علي صالح كنظام داعم ومغذي للحروب والصراعات وبالرغم من محاولات الأخير المستميتة لجر الثورة إلى مواجهات مسلحة إلا أن إصرار شباب الثورة على سلمية ثورتهم كان حاسما وقاطعا.

ومع ذلك وعلى حين غفلة من الجميع وبينما كانت القوى والمكونات السياسية تخوض مارثون الحوار الوطني الشامل لأكثر من عشرة أشهر للخروج بوثيقة وطنية تضبط إيقاع حاضر ومستقبل الحياة السياسية اليمنية دقت طبول حرب شاملة، اندلعت شرارتها من صعدة منطلق الفكر الهادوي لتعم كل الوطن شماله وجنوبه وشرقه وغربه وتطورت الأحداث بشكل ديراماتيكي لتعلن عشر دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية وبمشاركة مصر هذه المرة جنبا إلى جنب مع السعودية تحالفا عسكريا عربيا لدعم الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي ومواجهة تحالف الحوثي صالح الانقلابي المدعوم من الجهورية الإيرانية لتشهد اليمن أكبر حرب في تاريخها قضت على الأخضر واليابس وقبل ذلك على أحلام اليمنيين وتطلعاتهم وفاقمت من معاناة هذا الشعب المنهك.

والمقلق في الأمر أن طبول هذه الحرب مازالت تقرع وبشكل أشد من ما مضى وآخر قارعيها وفقا لكثير من المتابعين للشأن اليمني جنون كيري وزير الخارجية الأمريكي بأفكاره الأخيرة التي تهدف للحفاظ على الحوثيين كميليشيا مسلحة تهدد أمن واستقرار اليمن والمنطقة برمتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.