شعار قسم مدونات

الرئيس الفلسطيني – شمعون بيريز

blogs - abbas
خصَّصَ خطيبُ الجمعة – سُوريّ الجنسية – اليوم جزءاً كبيراً من خطبته للحديث عن مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز الذي تُوُفِّي فجر الأربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦.

المستمعون للخطبة من أجناس ودول شتّى لاحظتُهم بعد الصلاة وكأنهم يتساءلون فيما بينهم ويقولون: أيُّ رئيسٍ لفلسطين هذا الذي يحضر جنازة رجلٍ خاض في دماء الشعب الفلسطيني عقوداً طويلة، هل هناك فلسطين يرأسها هذا الرجل غير التي نعرفها.

قبل أن أكتب هذه التدوينة قررتُ التدقيق والتوثيق لما قاله خطيب الجمعة من باب الاحتياط، وفي الحقيقة قلتُ في نفسي ربما يكون أصْلُ هذا الخبر إشاعةً من خصمٍ سياسي، أو إعلامٍ غير مهنيّ، لكنني تفاجأتُ أن مواقع الصحف والأخبار تواترت على تأكيد الخبر، بل ونقلت تصريحاً رسمياً صادراً الرئاسة الفلسطينية بنفس الخصوص.

في كل مرّة نُفاجَأ بأنّ لدى عباس حجماً أكبر مِن التنازل والتساهل، مُفرِّطاً في مسئوليته وموقعه رئيساً للشعب الفلسطيني، وممثّلاً لقضيته المشروعة.

تصدمُنا وتصدمُ كلَّ مَن يتعاطف معنا من أشقائنا في بقية الدول مواقفُ وأفعالُ الرئيس الفلسطيني عبّاس، خاصةً أنّ العلاقة الواقعية بينهما هي علاقة عداوة، نعم عداوة ظاهرة لا تحتمل غير هذا الوصف، لأننا أمام كيانٍ غاصبٍ قامت أركانه على الأشلاء والدماء التي سالت شلّالاً متدفقاً منذ مجازر قانا، وصبرا وشاتيلا، والحرم الإبراهيمي، ثم الحروب التي شنّتها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة خلال الأعوام 2008، 2009، 2012، علاقة عداوة يؤكدها احتلالٌ للأرض، واغتصاب للحقّ، وقتلٌ مستمرٌ لشعبٍ أعزلَ مظلوم منذ ما يقرب من سبعين عاماً.

في كل مرّة نُفاجَأ بأنّ لدى عباس حجماً أكبر مِن التنازل والتساهل، مُفرِّطاً في مسئوليته وموقعه رئيساً للشعب الفلسطيني، وممثّلاً لقضيته المشروعة، وفي هذه الحالة لا نستطيع الحديث عن مشاركة الوفود العربية الأُخرى لأنّ الحديث عن مشاركة رئيسنا من باب أَولى.

وبعيداً عن التأصيل الشرعي المعروف والذي لا يحتاج إلى مزيدِ بيانٍ وتفصيل، فإنّ هذا السُّلوك من محمود عبّاس بالنسبة لنا كشعبٍ فلسطينيّ مرفوضٌ وطنياً وشعبياً وحتى سياسياً، نعم مرفوضٌ سياسياً لأنه ثَبَتَ لكل مراقب أنَّ إٍسرائيل لا تُبادل مزيداً من التنازل والتساهل إلاّ بمزيد من التعنُّت والصَلَف، فمشاركة عبّاس لن تُقدّم ولن تؤخر في الوضع السياسي شيئاً، ولن ترقِّقُ قلبَ نتنياهو تجاه الوضع السياسي المعقّد للسلطة الفلسطينية والمفاوضات يرحمهما الله، أتساءل ماذا سيكون الوضع لو سَبَقَ عباسٌ بيريزَ إلى لقاء مَنْ لا يُظلَم عنده أحدٌ سبحانه، هل كان بيريز سيشارك في جنازة عبّاس.

إنّ مشاركة عباس في جنازة بيريز لا تعني بأي شكل من الأشكال أنّ الشعب الفلسطيني سينسى للحظةٍ أو أقلّ الخطايا والفظائع التي ارتكبها بيريز في حق الشعب الفلسطيني، بل إنّ هذه الأفعال وغيرها ستزيد الشعب الفلسطيني قناعةً أننا بحاجة إلى قيادة جديدة تكون بديلاً لهذه المنظومة الهَرِمة والتي لا يصدُر عنها إلا مزيداً من التراجع والتردّي في حالة القضية الفلسطينية، نحن بحاجة إلى قيادة جديدة تسمّي الأمور والأشياء بمسمياتها الحقيقية، تسمي العدوّ عدوّاً وليس شريك سلام، إلا إن كان حقاً وواقعاً شريك سلام، قيادةً تزور قطاع غزة لأنه جزء من الوطن وليس منطقة تمرّد، وتبذل الجهد كله في إنهاء انقسامٍ ينهش في بُنية القضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني حتى وصل إلى النخاع، وما بعد النخاع.

وأشار الاعلام الاسرائيلي إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وافق على مشاركة الرئيس عباس وحسين الشيخ وماجد فرج وصائب عريقات في جنازة بيرس (bokra.net)
يبقى السؤال الذي يحيرني هو، ماذا سيقول عباس في الجنازة؟
هل سيقول لنتنياهو ولعائلة بيريز أعظَمَ اللهُ أجركم، وأحسَنَ عزاءكم ورَحِمَ فقيدكم؟
أم هل سيدعو له بالرحمة والمغفرة وأن يجعل الله قبره روضة وليس حفرة؟
الله أعلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.