شعار قسم مدونات

الإسلاميون ونقد الذات (1)

blogs - islamic
في عهد النبوة كان القرآن الكريم يتنزَّلُ على النبي صلى الله عليه وسلم مقَوِّماً للاعوجاج ومصححاً للمسار ومصوبا للأخصاء التي يقع فيها المجتمع المسلم آنذاك، وكانت تُتلى هذه الآيات على مسامع الجميع في المدينة النبوية من مسلمين، ويهود، ومنافقين، وفي خارج المدينة ككفار قريش، ومشركي العرب.

فكان المسلمون يقبلون النُصح ويتعلمون الدرس.
إذا علمنا أن هذا كان في مجتمع النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة، أفيُعقل أن تكون الحركات الإسلامية اليوم أطهر وأنقى من هذا الجيل والرعيل الأول، بحيث أن سياسة رفض النصح والتقويم، وتبرير الأخطاء، وتخوين الآخر دائما مُشهرة في وجه كل ناصحٍ أمين.

لماذا سياسة الدفاع المستميت عن المواقف، والتبرير اللامتناهي لها ولنتائجها هي الرد الجاهز والحاضر دائماً في وجه أي ملاحظة نقدِيَّة أو توجيهٍ وارد من خارج الصف أو حتى من داخله.

البعض تربَّى على أن القادة ومتخذوا القرار في (حزبه السياسي) أو (جماعته الدينية) التي ينتمي إليها هم النماذج الفذَّة والشخصيات الملهمة، والتبرير الجاهز لذلك هو أنه لا يُعقل أن يكون القائد في هذا المكان وهذه المنزلة إلا لأنه هو الأعلم بما يصلُح وما لايصلُح، فلا داعي حينها أن يُكلِّف الفردُ نفسَهُ عناء البحث عن أسباب و مبررات اتخاذ هذه المواقف، حتى ولو بدا فيها التناقض واضحا وصارخاً، والتبدُّل في المواقف وصل إلى 180 درجة.

أخطر أنواع التبريرات وأسوأها على الإطلاق: هي أن تجد تخريجاً شرعياً متعسفاً لمسألة أو فكرة ما، غريبة أو شاذّة.

حيث يكون الفرد في هذه الحالة قد أُشبع بثقافةٍ نرجسية متضخمة حول منطلقاته الفكرية، أو آرائه السياسية، أو قناعاته الشخصية، أو تجاه حزبه أو جماعته ومشروعيتهم الوحيدة، في موقف تتجلى فيه وتبرُز معضلة الخلط بين الإنتماء لفصيل بعينه، وبين الانتماء للدين بسعته ورحابته.

ونتيجة لهذه المسالك التي تفرضها الحزبية المقيته، تتحول إخفاقات القادة إلى نجاحات، والفشل إلى إنجاز، وإن كانت الدنيا كلها والعالم بأسره يشهد عكس ذلك، إلا أن التبرير المُجمَل والمفصل دائما جاهزَين.

فتجد التبرير الكلي المجمل هنا: هو أننا اجتهدنا وبذلنا ما في وسعنا، لكن إرادة الله شاءت شيئاً آخر، أمَّا أن تعترف أن القائد أخطأ، وأصرَّ على خطأه رغم كل النصح والتحذير، ومن ثم فلابد من محاسبته فلا وألفُ لا، لأن في أذهان من يردد ذلك أن هذا يتناقض مع مبدأ الجُندية والانتماء الصادق المخلص لفصيله أو لجماعته.

وأخطر أنواع هذه التبريرات وأسوأها على الإطلاق: هي أن تجد تخريجاً شرعياً متعسفاً لمسألة أو فكرة ما، غريبة أو شاذّة.

فهنا يبرز دور القادة في تسخير بعض رجال العلم والدعوة الغارقين في الولاء أو حتى التعاطف مع هذا الفصيل، فيُسَخِرونَهُم للقيام بمهمة التسويغ الشرعي والتأويل والتبرير للمواقف بخطاب دينيّ، حتى وإن كانت هذه التنظيرات بخلاف القناعات الشخصية لبعض هؤلاء الفقهاء.

إن استمرار هذه السياسات والأفكار داخل الصف الإسلامي بمختلف فصائله تنذر إن لم يتم تداركها بعواقب وخيمة على الحركة الإسلامية بجميع مكوناتها.

إذ لا يُعقل أن تظل المكابرة الفجة، والتكبر الواضح، والامتناع الصريح عن الاعتراف بأخطاء هي في الحقيقة واضحة وضوح الشمس، هي السمت العام السائد بين جُلِّ الحركات الإسلامية على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية، فتنذرنا بنذير شؤم على الجميع، فهم قوم يرفضون الحق، وتكبروا عن الاعتراف بأخطائهم وذلَّاتهم في تجربة بشرية لا تعرف القداسة ولا العصمة من وجه ولا من سبيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.