شعار قسم مدونات

فتنة الحنابلة والأشاعرة تطل علينا من جديد!!

blogs tttt

أتلو مقدمة الآية العاشرة من سورة الفتح " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم " هل فهمت المقصود؟ إذا توقف هنا، هكذا فهم الصحابة القرآن، فلم ينشغلوا بالمعنى الحقيقي من " يد الله " وهل المقصود يد حقيقية كيدنا، أو كناية عن عون الله وحفظه لمن يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن أي تفسير تجتهد وتغامر بالذهاب إليه، قد يؤدي بك للخروج من دائرة " أهل السنة والجماعة "!
 
فهناك من يريد إشعال فتنة يشغلك بها دون أن تنتبه، ولعل حتى لو اخترت أن تتوقف عند فهمك الفطري لمقصود الآية الكريمة فثمة تصنيف سيوقعك فيه يبعدك عن محيطك المسلم.

زاد الاستعجاب أن خرج المؤتمر بتعريف لأهل السنة لا يشمل السلفيين أو أهل الحديث، وهم من هم عند التعريف بأهل السنة.

كأننا، نحن المسلمون، ينقصنا خلافات، احتربنا كسنة وشيعة، وكعرب وأكراد، وعلمانيين وليبراليين، وحان الوقت أن ننقسم بين الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث! المشكلة أن التصنيفات الأخيرة لا يعرفها معظمنا، أنا شخصيا لا أريد ولا يهمني أن أعرف فيما إذا كنت أشعري أم أثري، ولن أشغل نفسي بتقليب صفحات خلاف عمره مئات السنين حول " الآيات والصفات " دون أن أنكر على المتخصصين من طلبة العلم الديني أن ينشغلوا به.

يكفيني حظي من معرفة الإسلام ما قرأته وأعود إليه من كتب أساسية مثل كتاب الراحل علي الطنطاوي " تعريف عام بدين الإسلام "، ويكفيني أن أنظر إلى زوجتي وبنات الأسرة، وقد عزمن على الحج واجتمعن يتدارسن فقه الحج وفضله وسننه وأجره لأطمئن أننا أسرة مسلمة تحاول أن تكون صالحة.

بدأت قصتي مع " الملل والنحل " وعقائد أهل السنة والجماعة، بعدما اهتممت سياسيا وإخباريا في تويتر بقصة مؤتمر " من هم أهل السنة والجماعة؟ " والذي شغل الناس الأسبوع الماضي، وأثار موجة غضب، بعدما فاجأهم مؤتمرين اجتمعوا بعيدا في العاصمة الشيشانية، جروزني، وبينهم فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب والذي كان حضوره لافتا وغريبا معا، إذ غاب عن اللقاء نظراء له من الدول الإسلامية الكبرى مثل السعودية وتركيا.

وزاد الاستعجاب أن خرج المؤتمر بتعريف لأهل السنة لا يشمل السلفيين أو أهل الحديث، وهم من هم عند التعريف بأهل السنة إذ يرون أنفسهم ومعهم حق في ذلك في صدارة " أهل السنة " وبدا إغفالهم متعمدا، ما أثار غضب واستهجان واسع، فانتقل النقاش إلى تخمين أسباب ومكايدات سياسية، مرتبطة بحالة الانقسام والاحتراب التي تعيشها كثير من الدول الإسلامية، وسط تدخلات أجنبية ( روسية بالتحديد ) وشتى القوى الإقليمية.

لست من الضالعين أو المهتمين بالجانب العقدي من هذه المسألة، فاهتممت بجانبها السياسي، فتتبعت أخبار المؤتمر، بتتبع تغريدات من حضره، وبالاتصال هاتفيا بآخرين، فغردت عبر وسيلتي الإعلامية المتاحة " تويتر " بما عرفته وسمعته عن المؤتمر، حينها دخلت في اشتباك لطيف مع الداعية المعروف الحبيب الجفري والذي تجاهل أسئلتي المباشرة عمن نظم المؤتمر، ومن موله، وكيف انطلقت فكرته؟ وأهمها لماذا تعمد بيانه الختامي عدم إضافة السلفيين إلى " أهل السنة " خاصة وقد غردت نقلا عن موقع " مؤسسة طابة " التي أسسها الجفري وترأسها أن مؤسسته هي من نظمت المؤتمر المثير للجدل بالتعاون مع مؤسسة شيشانية وأخرى روسية.

الحبيب الجفري، داعية لطيف، اشتهر بدروسه التلفزيونية، ويظهر دوما كمتسامح، محب للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يتردد أن يقول لرئيس جمهورية الشيشان الشاب رمضان قديروف جازما، وهو يلتقيه في مطار جروزني " سيفرح رسول الله بقدومكم (للمطار) لاستقبال شيخ الازهر "!

من بين نحو عشرة تغريدات لي حول "مؤتمر الشيشان" كما سميناه نحن المتوجسين منه، كلها أسئلة وأخبار جمعتها عنه، اختار الحبيب تغريدة واحدة يعقب عليها، قلت فيها إن المؤتمر عدل بيانه الختامي وتحديدا مادة التعريف بأهل السنة فأضاف اليهم " اهل الحديث المفوضة " وذلك لاحتواء غضب الغاضبين والمحتجين، وحيث أنني لا أعرف المقصود بالمفوضة، سألت صديق وعالم شرعي فقال ضمن إجابة طويلة، أن في ذلك استثناء لجمهرة كبيرة من السلفيين خاصة من علماء السعودية، فقلت أن إضافة المفوضة " يخرج (مرة أخرى) معظم اهل الحديث ".

أشك وغيري في نوايا من اجتمعوا في جروزني، خاصة أن فلاديمير بوتين بارك اجتماعهم ذاك.

رد الحبيب الجفري قائلا " هذا طرح غير صحيح بالمرة، فالتفويض هو مذهب أهل الحديث من غير المؤولين وكلاهما يمثل السواد الأعظم من المحدثين " فعدت لصديقي أقترح عليه توضيح ذلك لي، واقترحت أن الأفضل أن يتداخل هو مع الجفري، خلال ذلك الوقت بدأت أقرأ عن المقصود بالمفوضة، والاختلاف بين الأشعرية والماتريدية، وكليهما فرقتين قديمتين هما غالب أهل السنة، واعتقادهما مع اعتقاد المحدثين في آيات الصفات، كانت متاهة صعبة، ولكني وجدت نفسي منجرا إليها.

عدت بعد ذلك إلى تويتر، فوجدت أن " المنشن " عندي قد اشتعل بخلافات وردود بين الجفري والأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، الدكتور محمد الخرعان، لم يكن حوار أصدقاء، ودخل معهما آخرين ليسا بحصافة الاثنين، ولا بعلمهما، تبادل الجميع التهم، واقترب البعض ( غير الشيخين ) من التشاتم، مضيت أتأمل هذا الخلاف الجديد، أنها فتنة الحنابلة والأشاعرة التي شوهت وحدة الإسلام وأهل السنة في بغداد في القرن الخامس الهجري والتي وقعت خلالها أعمال قتل وعنف ببغداد، وإذا بها تطل علينا في قرننا هذا، وكأنه لا تكفينا ما بين أيدينا من خلافات وصراعات، تقتلنا وتفتك بنا وببلادنا.

حمدت الله، أنني لم أنجر إلى نقاش مع الجفري، واستغربت لما يفعله هذا الشيخ " الوديع " فينبش هذه الخلافات من مرقدها، ومن دور العلم وبطون الكتب، ويبعثها في وسائل الإعلام الاجتماعي والتي تشبه شوارع بغداد وأزقتها 447 من الهجرة، حينما خرج جدل المتكلمين من المدارس وحلق العلم بالمساجد إلى العامة والسفهاء فاقتتلوا حول مسائل لا يفهمونها ولا يدركونها.
لذلك أشك وغيري في نوايا من اجتمعوا في جروزني، خاصة أن فلاديمير بوتين بارك اجتماعهم ذاك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.