شعار قسم مدونات

مورفين القراءة لكتابة أفضل

القراءة للكتابة

جيوش من الكُتاب تنهال علينا أعمالهم صباح مساء ، الكتابة أصبحت هواية متداولة ومهنة سهلة يحترفها قارئ من الطراز الأول ليقرأ له جمهور لا يفرق بين (ض) و(ظ).

لنتعلم كيف نحترم إنتاجنا الأدبي الضخم منذ فجر انطلاق الكتابة حتى يومنا هذا، لكي نقرأ بذوق و نفرق بين مادة تستحق القراءة وأخرى مجرد " كلام جرايد " كما يقول البعض لا يؤثر ولا يغيّر فهو يكتب لتستمر عجلة الطباعة كل يوم ولا تتوقف عن نشر الفِكر.

في أيامنا هذهِ الكُتاب المدونون الأدباء وأشباه الأدباء الصحفيين، ومن يدخلون الصحافة متخفين جائعين لشهرة أو ربما ما زالوا يبحثون عن ذواتهم ويحاولين إيجاد أنفسهم بخوض التجربة المتوفرة بين أيديهم.

علينا أن نكون أكثر ذكاء في اختيارتنا وتوجهاتنا وحتى في الطريق الذي نأخذه لنبحث فيه عن ذاتنا

وبما أنه السُبل أصبحت واسعة والساحة شاسعة قابلة لاحتواء الجميع دون استثناء أصبحنا نشهد كل صباح ولادة كاتب أو مدون من رحم الصدفة. أليست الصدفة خيرٌ من ألف ميعاد، وهو المشهد ذاته صباح كل نهار يكرر ويُعاد.

لكن يا ترى هل هذا العالم الكبير الذي يجذب إليه الهواة أو المحترفين صالح لهم ؟ يليق بشخصهم يرضي طموحهم وأفكارهم ؟ ولو كان هذا الإنسان مازال يبحث عن ذاته هل سيجدها بين كلمات يجب أن يكتبها لأشخاص مختلفَين في الثقافات والتطلعات؟ أو ربما أشخاص هم أساساً بحاجة لمن يرشدهم ويضع لهم الأفكار في موقعها المناسب والزاوية الموازية لأهدافهم  التي تشبه واقعهم وتناسب مجتمعاتهم.

السؤال هنا عندما نخرج بمادة لمجموعة أشخاص ومهما كان نوعها -مازالت موجهة لقبيلة من الناس- لابد أن نحترم العقول والاختلافات والأذواق والمسميات الأخرى التي تمس الحقيقة او المجتمع .

عندما تخرج بمادة هزيلة في إنتاجك؛ موضوعاتها وأفكارها الأولية مر عليها الزمن في محاولة منك لإثبات حضورك وإبداعك وإرضاء لنفسك دون الأخذ بعين الاعتبار أن ما تقدمه قد يؤثرعلى الناس وربما  يأخذونه على محمل الجد، وقد يكون مفتاح حل لمشكلاتهم، وهذه مسؤولية يحملها كل أديب وكاتب وصحفي.

فهي مسؤولية لكل شخص يصل بصوته للناس ليكون في وقتها هو صوتهم وصورتهم وفكرتهم ومشكلتهم والحل من منظوره ورأيه ووجهة نظره هو طريق الخلاص بالنسبةَ لهم. ما يجب أن نفهمهُ جميعاً هنا أنه من المستحيل أن تستوعب الساحة كل هذا الكم الهائل من الأقلام التي تكتب، فاليوم نحن نشهد تضخم في النشر لمواد متشابهة من حيث معناها وتأثيرها.

وفي المقابل المتلقي والقارئ والسامع يشكلون فئة قليلة أمام ما يتم طرحه ! نعم قليلة بالمقارنة مع الإنتاج الأدبي والصحفي الذي تكاد تختنق به المكتبات والأرصفة و تتفوق على كل ذلك الصفحات الإلكترونية .!! فئة قليلة تقرأ وفي المقابل نجد الألف من الأصوات المؤثرة وعشرات وجهات النظر المتشابهة فلمن نكتب إذن !!

لا تعتقدون أن هؤلاء الذين يلهثون خلف الكتب جميعهم من القرّاء، ابداً لو كنا نقرأ لما اتجه الكثير للكتابة واكتفى البعض بتقمص دور "السفسطائي "، لو كنا نقرأ لرفضنا فلان من الناس واحترمنا ما يكتبهُ فلان ..وأخذنا بعين الاعتبار الحلول والحكمة التي يتشارك بها عشرات الكُتاب ولم يتأثر بها حتى الأن إلا واحداً فقط ممن يقرأون لهم.

علينا أن نكون أكثر ذكاء في اختيارتنا وتوجهاتنا وحتى في الطريق الذي نأخذه لنبحث فيه عن ذاتنا ونحاول تقديم ماهو أفضل لأنفسنا وللمجتمع، وأن لا نكون كمن يحاول تقليد دور لا يناسبهُ ولا يليق بهِ ولن يتقبلهُ المجتمع من خلالهُ، وكل ما تشيدهُ سيذوب كالجليد في مواسم أدبية وثقافية قادمة ،
لن يصمد كثيراً في الساحة مع هذهِ المنافسة القوية والحازمة بين عشرات بل مئات الهواة والمحترفين.

لهذا من الضروري التفكير خارج السرب، ربما ستأخذ اتجاه مختلف أو تشدو بزقزقتك فوق أشجار أخرى أو تبني لك مسكن في أكثر الاماكن خطورة، أكتب عندما تشعر أن قلمك هو العدل والحق والإنصاف لا تخاف فالخوف يولد الضعف رفيق الهزيمة …

لنأخذ حذرنا من "الكلمات العمياء" التي لن تخلق أفكارا وتترك الجَهل يترسب ويعشعش في عقول الأجيال القادمة

عندما تكتب لا تفكر أي قارئ سوف تجذب أو أي من الناس لن يعجبهُ بتاتاً ما قمت بطرحهُ، فكر فقط أن كلماتكَ هذهِ هي صوت الصامتين من الناس الخائفين أو ربما ممن لم يجدو من يسمعهم ، وينصت لأرائهم، أكتب بأمانة وإخلاص لسبب واحد؛ أن في الكلمات حياة وأفكار مستمرة ستكون ثمرة المستقبل الأدبي والثقافي، ولتكن الحقائق واضحة صريحة لأنها ربما تكون ذات يوم مرجع للأجيال القادمة.

من الذكاء أن تكون قارئا محترفا لديه ذائقة ونظرة عميقة لما يقرأ ويسمع، يحمل ثقافة واسعة على أن تدخل عالم الكتابة والنشر وأنت غير قادر على إبداء رأي صريح وواضح وحقيقي عن واقعك الذي تعيش ، ومجتمعك وأبناء جيلك لتحمل مشكلات بلدك وتكون صورة الحرب وصوت الثورة وضحية الإنتفاضة وشهيد الكلمة الحرة.

خذ توجهاً يليق بك تستطيع من خلالهُ أن تكون عنصراً ذا أهمية لما تنتجه، وتبقى كلماتنا سطور من السرد الطويل إذا خلت من العلم والدليل والحل البديل ، وخارطة طريق لمستقبلٌ واضحة معالمهُ.

لنأخذ حذرنا من "الكلمات العمياء" التي لن تخلق أفكار وتترك الجَهل يترسب ويعشعش في عقول الأجيال القادمة، وهناك ثقافة نائمة نمثلها على بعضنا البعض لن تغير شيء في مجتمعاتنا…

 ومهما كان حجم الإنتاج الفكري اليوم لن يغير شيء في الغد إن لم يؤثر في الحاضرين اليوم ويوقضهم من جهل السير خلف بعضهم في أبسط أساليب حياتهم لأكبرها، وأكثرها جدلاً وأهمية بإلنسبةِ لجميع من يشتركون في وضع حجر الأساس لأجيال ومجتمعات قادمة للأمة الإسلامية والعربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.