شعار قسم مدونات

شدّوا وثاق المتشددين

blog-ألمانيا

من المعلوم أن أدولف هتلر كان قد زعم أن فكره أعلى من كل فكر، ودمه أسمى من أي دم، وهو في زعمه هذا يعلم تمام العلم أنه لا يوجد لنظريته هذه أي خلفية علمية أو واقعية تدعمها (وإن كان ثمة بعض الآراء الأكاديمية حينها تؤيد مثل هذا الكلام الأخرق).

لقد كان هتلر و حزبه النازي على إيمان كامل بأنهم ليسوا أفضل عرقاً من الإنكليز، ومع ذلك راحوا ينعقون لمدة عقدين من الزمان بتفوق عرقهم.

هو ونظراؤه من أصحاب الغلو في كل العالم – والذين أؤكد على انتظامهم في عقد واحد – يدركون جيداً أنهم يتفوهون بمحض افتراء، ويوقنون أنهم ليسوا العرق أوالدم الأسمى في البشرية، ولكنهم بحاجة ماسة إلى هذه المطية الجوفاء، لكي يتذرعوا بها من أجل كل خرق للإنسانية والرحمة. إن هتلر نفسه كان يشعر تجاه الأمة الإنكليزية بالدونية، ولقد عبر – في أكثر من موضع – عن إعجابه بتلك الدولة وهذا الشعب.

فكما هو معلوم عنه أنه رائد العداوة للنظام البرلماني، فكم سخر من المهاترات الجارية في أورقة البرلمانين الألماني والنمساوي، ولكن عندما يتعلق الأمر ببرلمان إنكلترا يرفع له القبعة، ويرسل إشارات مفادها إما نظاماً برلمانياً على الطريقة الإنكليزية، وإما فليذهب البرلمان إلى الجحيم. ولما قرر النازيون وزعيمهم تركيع إنكلترا، لم يؤمنوا قط بقدرتهم على هذا التركيع… فلقد كان المخطط النازي – بادئ ذي بدئ – يهدف إلى غزو الأراضي البريطانية، ثم تضاءل إلى إجبارها على السلام معهم، ثم تقلّص إلى أن عبّر هتلر أمام موسليني – في آخر ضمور لطموحه تجاه بريطانيا – بأنه لم يعد هناك خطر يمكن أن يأتي منها، وذلك بعد فشل محاولتي الاستسلام والسلام.

لقد كان هتلر وحزبه النازي على إيمان كامل بأنهم ليسوا أفضل عرقاً من الإنكليز، ومع ذلك راحوا ينعقون لمدة عقدين من الزمان بتفوق عرقهم فوق كل عرق دون استثناء.. إذ أن هتلر وجوزف غوبلز وجنودهما كانوا مؤمنين – بكل ما تعني كلمة إيمان من معنى – بـ الدعاية السياسية (كما هو معلوم)، أي: ((التضليل))، فهم كحال كل متطرف مغالِ على وجه البسيطة لا يهمه أن يحشوا أدمغة رعاياه بالحقائق، بل يحشوها بكل ما يجعل انقياد هذا الشعب وراء رغباتهم أعمى، وبكل من يجعل من تنفيذهم للأوامر أسلس. وأزعم أن هذا يعتبر هدفاً لكل المتطرفين في العالم، فهم – على اعتبار أن الطاعة العمياء هي أسمى قيمة من وجهة نظرهم – لايهم إن قاموا بغش شعوبهم، بل وحتى غش أقرب الناس إليهم، ما دامت غاية الغايات قد تحققت، ألا وهي الانصياع التام.

يمكننا أن نروّض رجلاً عادياً، على استيعاب معلومات تفوق طاقته، ولكن شأنه يظل شأن الحيوان المروّض.

ربما هذه العنصرية المتطرفة عند هتلر مردها إلى أنه نمساوي الأصل و المنشأ، وأنه لم يكن ألماني الجنسية (بالولادة)، وبالتالي راح يجبر هذا النقص بسيل من التنظير حول العرق و الدم و العنصر، اللواتي يبررن وجوده وموجوديته في ألمانيا، وخصوصاً تجشمه العمل السياسي الطويل في ميونخ، هذا التنظير حول التمييز قد يحل العقدة النفسية التي لطالما لازمته منذ كان يافعاً في فيينا: عشق ألمانيا، وأن يكون ذا شأن فيها.

إن العرق والدم هما الشماعة المثالية لنيل رغبات من الصعوبة بمكان أن ينالها امرؤ لولا إثارة هذه الفكرة: ((تدنية الآخر))، وبالتالي لم يعد المعيار معياراً وطنياً (أو معيار المواطنة)، بل بالدم، تزول أعتى المشكلات. من الجيد أن يشكل أبناء القومية الواحدة – أو أي مشترك مهم آخر – دولة واحدة، ولكن أن تصبح هذه القومية وسيلة لتحقير الآخر واستفزازه من الأرض و محوه، هنا يكمن كل البأس.

فلنتأمل بعناية ما خط الإرهابي هتلر بيمينه: "يمكننا ولا ريب أن نروّض رجلاً عادياً، أو ذا استعداد عقلي وسط، على استيعاب معلومات تفوق طاقته، ولكن شأنه يظل شأن الحيوان المروّض…أليس تحدياً لمشيئة الخالق ترويض مخلوق هو نصف قرد، بحيث يصبح محامياً أو طبيباً، بينما لا يجد الملايين من أبناء العرق المتفوق عملاً" – كفاحي. هل ثمة إرهاب وعنصرية أشد من ذلك؟ لذا.. شدوا وثاق المتطرفين، الفكر بالفكر، والسن بالسن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.