شعار قسم مدونات

إلى الجولاني.. كم يبلغ ثمن اللافتة من الدماء؟

blogs - الجولاني 2
صارت الثورة السورية في قلب حلبة صراع دولية يستخدم أحد أطرافها القوة العسكرية الغاشمة ضد الثورة بشكل مباشر و يصر الآخر على حضور شكلي لا يؤثر في مسار المذبحة القائمة ولا يجعله غائبا عن الساحة الدولية في نفس الوقت. الأول روسيا و توابعها و الآخر الولايات المتحدة و توابعها، ثقل القبضة العسكرية لا يخفى على أحد، حلب قلعة الثورة الرئيسية تتعرض لقصف لم تتعرض لمثل حممه من قبل، وعاد الحصار يخنقها بعد انتصار مؤقت صنع إختراقا في جدار الحصار احتفي به بشدة من قبل أنصار الثورة قبل أن يحرق الواقع الأليم كل مظاهر الفرحة.

لم تعد الثورة تحقق منذ فترة ليست بالقصيرة إلا اختراقات مؤقتة على الجبهات سرعان ما يغلقها النظام بينما تشهد ساحة الحلفاء تطورات تتمثل في تغير مواقفها الدولية. فقد اقتربت تركيا من روسيا و إيران و صارت تنسق معها التدخل لحفظ مصالح أمنها القومي المتمثل في منع قيام كيان كردي على حدودها و هي حاليا مستغرقة في عملية درع الفرات التي يتمنى البعض أن تكون بداية لإنشاء منطقة آمنة في سوريا و لكن مثل هذا القرار أثبتت الأيام أنه أكبر من تركيا. فباختصار الثورة السورية في أزمة شديدة و العنصر الرئيسي في قوات الثورة هو تنظيم القاعدة و بين الأزمة هذا العنصر رابط.

لقد حمل الجولاني و إخوانه الثورة السورية أكثر مما تحتمل وأعطوا الولايات المتحدة و خلفها العالم الذريعة لقتل الثورة ببطأ وجعلوا أنفسهم حجة الخذلان المثالية

منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 و العدو المعلن للولايات المتحدة الأمريكية هو تنظيم القاعدة و حرصت على محاربته و إخراجه من كل بلد ظهر فيها.. أفغانستان.. اليمن.. الصومال.. وتتحرك الولايات المتحدة عسكريا في هذه البلاد عن طريق القصف الجوي بشكل رئيسي في مطاردة حثيثة لتنظيم القاعدة حول العالم، كان هذا ما اتسم به العقد الماضي وكان معروفا قبل بداية الثورة السورية، فلماذا حرص القاعديون على إنشاء كيان باسم جبهة النصرة و إعلان بيعته لزعيم التنظيم منذ البداية؟

ألم يعلموا أن هذا سيجعل الثورة السورية هدفا معاديا بالنسبة للولايات المتحدة التي تحارب القاعدة في كل مكان؟ ماذا أضافت اللافتة والبيعة للثورة السورية؟ ألم يكن يسع الجهاديون أن يجاهدوا في صفوف الثوار دون أن يعرفوا؟

لقد حمل الجولاني و إخوانه الثورة السورية أكثر مما تحتمل وأعطوا الولايات المتحدة و خلفها العالم الذريعة لقتل الثورة ببطأ وجعلوا أنفسهم حجة الخذلان المثالية، صحيح أن هزيمة الثورة هي مصلحة استراتيجية اجتمع عليها الروس والأمريكيون ولكن إعلان القاعدة وجوده في الساحة جعل الأمر سهلا للغاية.

روسيا تقصف جبهة النصرة في حلب والولايات المتحدة تحارب تنظيم الدولة -أحد منتجات القاعدة- و ترى أنها لا تستطيع أن تساهم في انتصار عدوها في سوريا و هي تعمل على حل مشكلة وجود هذا العدو قبل أن تلتفت للشعب الذي يقتل يوميا بمنتهى البشاعة.

لماذا لم ينظر القاعديون إلى الوراء ليتعلموا؟ ألم يتسببوا في تدمير أفغانستان بعدما فشلوا في الصمود في وجه القوة الغاشمة للولايات المتحدة و خرجوا ويرثون ضحايا المحرقة التي سقطوا فيها حسب وصف أبو مصعب السوري؟ والحقيقة أنا خطوة فك الارتباط عن القاعدة إعلاميا غير كافية بالنسبة للولايات المتحدة وقد أعلنت ذلك فلو علم الأمريكيون أن منتسبي تنظيم القاعدة قد أنشأوا كيانا ما لهاجموه حتى لو كان باسم "اتحاد الملحدين" فهم العدو المعلن الوحيد للولايات المتحدة فلماذا تتحمل الثورة السورية عداوات القاعدة الدولية؟ ألا يكفيها تعقيدات وضعها الرهيبة؟

إن الواجب على جبهة فتح الشام أن تعلن حل نفسها تماما وخروجها من الساحة السورية وساعتها من يريد أن يجاهد في سبيل الله تحت سقف الثورة السورية

إذا كانت جبهة فتح الشام قادرة على إنقاذ الشعب السوري مما هو فيه فلتفعل و حينها لن يطالبها أحد بشيء و لكن الواقع يقول أن وجودها أصبح عبئا ثقيلا دون أن تؤثر في مسار المعركة تأثيرا واضحا.

من يرغب أن يعيش حالة الجهاد الصافية تحت راية الإيمان في مواجهة الكفر لا يجب أن يحمل شعبا مقهورا ثمن تحقيق مثله العليا المتخيلة في ذهنه، عليك دائما أن تكون شديد الحذر وأنت تسير في هذا العالم لأنه شديد القسوة و إذا أخطأت لن يمنحك فرصة ثانية و إنما سيستغل الخطأ أسوأ استغلال لتدميرك.

إن الواجب على جبهة فتح الشام أن تعلن حل نفسها تماما وخروجها من الساحة السورية وساعتها من يريد أن يجاهد في سبيل الله تحت سقف الثورة السورية الجريحة لنصرة المظلوم وإحقاق الحق سيجد متسعا في الأرض و الفصائل.

هذا هو السبيل الوحيد لحل معضلاة الثورة السورية أن يواجهها العالم كثورة شعب في وجه نظام يقتله بكل السبل حتى الأسلحة الكيماوية دون أيديولوجيا معادية لها أو راية مناهضة.. وإلا فعليهم إخبارنا متى يبلغ سيل الدماء ثمن لافتتهم المقدسة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.