شعار قسم مدونات

يسألونك عن أوروبا

blogs - france
وأنت تقضي عطلتك السنوية بين أهلك وأصدقاؤك، يسألونك عن أوروبا، أحقا ما يقال؟ فتطلق للسانك العنان، بلاد الحرية والأفكار التحررية، قل ما شئت وافعل ما شئت، فيها العيش الكريم، فيها التسامح، فيها السلام وفيها الإسلام، تتلعثم هنا ينتهى الكلام لتسأل نفسك أحقا ما يقال؟ أفعلا أحسنت الجواب؟
 

يحدقون في ملابسك وسيارتك، تكاد بيابيهم تخرج من صدمة الحلم، تبتسم ثم تتمتم: لكن أوروبا ليست كلها جنة، فهناك الكثير من المشاكل والمسائل، يبتسمون ثم يكشرون، ثم يقولون لك ببرودة دم: لا عليك يا هذا، إننا نسألك فقط ولا نطلب منك تأشيرة لفرنسا.

فرنسا بتاريخها، بشساعة مساحتها، وبعدد حواضرها وبواديها، بشوارعها وبطول برج إيفل، لم تعد تبتسم عند سماع كلمة إسلام أو مسلم، حتى وإن كنت فرنسيا، وإن كان أبويك أحدهما أو كلاهما فرنسيا، وإن ولدت هناك، فأنت مسلم، ومسلم في قاموس فرنسا أصبح مرادفا للعدو. العدوالذي شيد بناياتها وعبد طرقها وساهم في تنميتها ولم يبخل يوما عليها أكثر من بخله على وطنه الأم، نعم أصبحت عدوا، وإن لم تتقبل هذه الكلمة لثقلها على قلبك، احزم حقائبك وعد من حيث أنت، لا حيث ولدت، فالوطن ليس مكان الولادة ولا هومن يمنحك جواز السفر فحسب، الوطن هو تلك العيون التي تحدق فيك منبهرة في عطلتك الصيفية، هناك الوطن.
 

الوطن وإن لم يوفر لك ما تريد، فقد وفر لك شيئا ما بداخلك يحدثك كل يوم، أن سعادتك وتعاستك فيه، وأنه وطنك بما فيه.

الوطن وإن لم يوفر لك ما تريد، فقد وفر لك شيئا ما بداخلك يحدثك كل يوم أن سعادتك وتعاستك فيه، وأنه وطنك بما فيه، فلن يتظاهروا يوما مطالبين إياك بمغادرته، ولن يسبوك عبر وسائل إعلامهم واصفين إياك بأحقر الأوصاف ولو لم تكن مسلما يا صديقي.

يا صديقي إن يسألوك عن أوروبا، قل الحقيقة وإن كانت مرة، أخبرهم عن حياتك هناك، وإن كان الأمر لا يخصهم، قل لهم كيف تمكنت من شراء سيارة، وكيف تغطي نفقاتك اليومية ونفقات عائلتك إن كانت لك عائلة، قل لهم كل شيء، وإن لم يصدقوك اليوم فإنهم سيوف يصدقوك غدا حينما يكونوا هناك، وإن قابلتهم ذات صيف اسألهم عن أوروبا، أحقا ما يقال؟ لا تنتظر الجواب واقرأ عليهم السلام، فما عادت جنتهم كذلك، ومن هول الصدمة ما عادوا يحدقون. يسألونك عن أوروبا، أحقا ما يقال؟ أجبهم ببساطة ليس كل ما يقال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.