شعار قسم مدونات

هولوكست حلب.. هل بقي للكلام فائدة؟

People dig in the rubble in an ongoing search for survivors at a site hit previously by an airstrike in the rebel-held Tariq al-Bab neighborhood of Aleppo, Syria, September 26, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail

مع توالي المجازر في سوريا كنت أتساءل دوما عن رقم القتلى أو القربان الذي على السوريين تقديمه حتى يتحرك ضمير العالم ويقرر التدخل لحمايتهم من نظام الأسد.. مئة ألف  أم ربع مليون كما حصل مع المسلمين في البوسنة .. ثلث مليون أم نصف مليون ؟؟

تتكسر الأرقام مرة إثر مرة وردود الفعل هي ذاتها، تنديد وشجب ودعوات غير مباشرة للضحايا بأن يموتوا بصمت أو أن يقدموا على استسلام لامشروط للجلاد، الأمر الذي سهل من مهمة القتل على المجرمين، فالكل سيفلت من العقاب؛ نظام الأسد وشبيحته ومقاتلي حزب الله  والروس، ومرتزقة إيران والمليشيات الطائفية القادمة من بلاد الرافدين.. لا بد أن أحدا منهم سيدفع ثمن جرائمه.

كل المحرمات انتهكت وكل البشاعات ارتكبت في الشهباء، والعالم يصر على ممارسة دور الشاهد الصامت

يتعامى الكل عنهم وعن أفعالهم في حلب رغم أن كل المحرمات انتهكت وكل البشاعات ارتكبت في الشهباء،  لكن العالم يصر على ممارسة دور الشاهد الصامت.. الشاهد العاجز البائس حد القرف.

ويبدو أن المجتمع الدولي لا يعنيه بحال عداد ضحايا المدنيين في سوريا مهما ازدادت خاناته، وينتظرون أن يتجمد عداد الأيام التي يواصل فيها السوريون الصمود ضد السفاح وحلفائه، يتنظرون تركيع الثورة السورية، واليوم الذي يعود فيه ثوارها الأحرار مستسلمين إلى حظيرة الأسد.

ولعل جوهر المآساة في المشهد السوري إصرار العالم أن يتعامل وكأن فيه طرفين متكافئين؛ نظام ومعارضة وأن كلا منهما يحظى بذات القدر من الدعم السياسي والعسكري، بل إن بعضهم يصر أيضا وبكل صفاقة وابتذال للتعامل مع الدور الذي يلعبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع المعارضة السورية بوصفه مكافئا للدور الذي يلعبه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لحليفه الأسد.

فهل يوجد أصدقاء الشعب السوري أمام أي مقارنة يكافئون حلفاء النظام ؟؟؟ للأسف الإجابة هي لا،  ولعل جرأة المعارضة السورية في انتقاد الدور الأميركي تكشف وبشكل جلي حجم الخيبة والمرارة التي لاقوها من واشنطن فهي ترفض حتى معاملتهم معاملة المقاتلين الأكراد في سوريا
إذن ما الذي يمكن فعله لحلب.

عسكريا ربما على الأصدقاء الحقيقيين للمعارضة السورية – إن بقي لهم بقية – الإداراك بأن الوقت لم يعد يسمح للأوهام وبأن التعويل على الغرب أو واشنطن بتغيير الموازين السياسية وإقناع موسكو لكي تقنع الأسد بالتخلي عن السلطة، فذلك محض وهم ، فالغرب المهووس بخطر تنظيم الدولة يفضل بقاء بشار ، فضلا عن أن حلفاء بشار أنفسهم قدموا له ثمنا ضخما من العتاد والرجال والأموال لن يوافقوا سياسيا على أي حل يفضي لرحيل الأسد.

لذلك لا بد من العمل على دعم المعارضة المسلحة والجيش الحر بالسلاح النوعي لا سيما وأنه ثبت أكثر من مرة أن الأسد وحلفاؤه عاجزين عن التقدم واستعادة الأرض، التي يخسرونها دون غطاء جوي كثيف يحرق الأخضر واليابس. فوحده السلاح المضاد للطائرات هو القادر وقف المجازر بحق المدنيين وكل الدعم السابق لن يكون له معنى إذا تمكن حلفاء الأسد من كسر شوكة المعارضة المسلحة في حلب.

ليس هناك أمام المعارضة وبعد هذه الفاتورة الدموية الباهظة سوى أن تواصل تعرية المجتمع الدولي وفضحه

سياسيا، ربما لم تعد هناك خيارات تذكر، ليس هناك أمام المعارضة وبعد هذه الفاتورة الدموية الباهظة سوى أن تواصل تعرية المجتمع الدولي وفضحه، عليهم أن يجهزوا صورا لأطفال حلب ووجوههم الدامية ليرمونها في وجه كل من يحدثهم عن الإرهاب وبقاء الأسد.

عليهم أن يضغطوا باتجاه إيصال المساعدات للمحاصرين هناك برا وجوا عليهم أن يتمسكوا بمطلب تلازم خطوتي تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة مع تنحي الأسد ورجاله، وأي حلول أخرى ستكون الموافقة عليها مكافأة للقتلة والسفاحين وخيانة لدماء الضحايا والأبرياء.

إغاثيا، كثير من الضحايا في سوريا يمونون اليوم  فقط لأنه لا توجد مستلزمات طبية كافية لهم خصوصا مع عجز العالم حتى عن وقف قصف المستشفيات والمنشآت الطبية ووقف قتل الأطباء والمسعفين، لذلك على كل الهيئات الإنسانسية والإغاثية والطبية رفع وتيرة طاقاتها للحد الأعلى، فهناك فواجع تتراكم على أهل حلب ولا سبيل امام كل من يملك مثقال ذرة من دعم إلا بتقديمها لهم.
 
وأخيرا، ما الذي يمكن أن نفعله نحن  إضافة إلى الدعاء ونصرتهم بالكلمة، فالحاجة اليوم باتت أشد من أي وقت مضى للتواصل مع الجمعيات الخيرية التي لها نشاط حقيقي على الحدود التركية السورية، حيث يمكن الوصول لها اليوم وبالكثير من الوسائل ودعمها بالمال لتمكينها من القدرة على إنقاذ مزيد من الأرواح في تلك البقاع المنكوبة.

لذلك لا بد من التحرك لكي نبرأ إلى الله بأننا قد قمنا بجهد قد يكون على قلته الخط الفاصل اليوم بين أن نكون بشرا أو أن نكون غير ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.