شعار قسم مدونات

قلم "روج"

blogs - lips
في كل مرة أطيل بها التوسم في عالمنا الغريب هذا، أعود لأضحك من نفسي أولاً ثم منهن. عالمنا، عالم المشاكل السطحية التي تستحيل بين دمعة وضحاها، إلى أعظم مشاكل حدثت على وجه البسيطة. عالم الكعوب العالية، والأقمشة الملونة، وكل المجوهرات القيمة وغير ذات القيمة، عالم الغيرة، السطحية، العمق، والكثير الكثير من الغيبة والنميمة.عالم مساحيق التجميل، وملاحقة الموضة، عالم الفوضى الخلاقة، والترتيب البهيّ..

كيف للكلمات أن تخرج من أفواهنا ضحية للمجاملات؟ ثم كيف للكلمات أن تخرج من أفواهنا كسيل جارف إذا ما أحسسنا بشيء بسيط من الإهانة والتهميش؟ كيف لكل هذا الكلام الجميل المعسول أن ينساب من شفاهنا إذا ما أحسسنا أماناً وحبّاً؟

أضحك في كل مرة أشعر فيها بالفرحة العارمة، ولا أجد من يشاركني إياها، فيصبح العالم لدي كذرة غبار لا قيمة لها. أضحك في كل مرة أجدها تخبرنا بأنها تكرهنا جداً، ثم تعود لتقول "كنت معصبة". أضحك في كل مرة أراها تضع طلاء الأظافر وتبكي؛ لأنها لا تشعر باهتمام أحدهم. أضحك في كل مرة أراها تفرد ريشها أمام المرآة لتقول لنفسها "تؤبريني حليانة". 

المرأة تحترف المراوغة، تجيد التخطيط، ولكنها كثيراً ما تجني الكوارث بمجرد التنفيذ، ودموعها حاضرة هناك كسيدة للموقف.

ما أغرب هذا العالم البسيط، ثم ما أجمل هذه المخلوقات اللطيفة، التي تستحيل مصدراً للتذمر والدموع وآلاف الثرثرات غير المفهومة إذا ما أحست بسوء. إنها تضع "الروج" وترقص أمام مرآتها ليلاً، ثم تستيقظ صباحاً تصرخ في موقع العمل، لأن أحدهم لم يكن كما يجب.
 

الكائنات الجميلة، مرضى تفاصيل التفاصيل، القطبيات، الخائفات، الحالمات، القويات، المدهشات، الضعيفات، العاطفيات، ما أجملهن! الكائنات دائمة السعي نحو الجمال والكمال وخطف الأنظار، دائمات الثرثرة، كثيرات العتب، المعبرات عن الكره، الهائمات في الحبّ، مجموعة التناقضات الأنيقة، ما أحنّ قلوبهن! إذا ما فرحن يبكين، إذا ما غضبن يبكين، إذا ما أحببن يبكين، إذا ما كرهن، نجحن، فشلن، يبكين.
الأثنى هنا تمثل الفن، والرجل يمثل العلم، الأنثى تمثل المعجزة، والرجل يمثل المنطق.. هي تمثل دقائق الأمور، وهو يتبنى الشكل العام .. نحن نحترف المراوغة، نجيد التخطيط، ولكننا كثيرا ما نجني الكوارث بمجرد التنفيذ، ودموعنا حاضرة هناك كسيدة للموقف.. ندير الحروب الباردة، ونعبر كثيراً بعكس ما نشعر فعلا. 
لطالما رأيت البيوت التي تفتقر لأنثى، أخت، بنت، حفيدة، أو حتى أم بعظمتها، بيوت فارغة، باردة، وخاوية على عروشها.. كأنها حدائق لا زهور فيها، كنائس لا أجراس لها، وصدى الحاجة الماسة الخفية لأرواح جميلة بسيطة كتلك، يسيطر عليها على الرغم من كل محاولات إخفائه. إن الأنوثة لا تعرف الشراسة، لا تعرف السيطرة، ولا تعرف الجور والصدام المألوف. فكل مفهوم واضح وصريح، يستحيل بمشاعرنا ودموعنا إلى أشكال أخرى لا يعرفها ولا يفهمها سوانا.

نحن لا نملك الأسلحة الثقيلة، ولا نجيد لغة العنف والتعنيف، لكننا وعلى الرغم من كل هذا، بإمكاننا أن نغير الواقع "بقلم روج".

كثيرا ما ننسف الإحسان، ننسى العهود، نكره بغضب، ونصنع من كل حبة قبة، لكننا سرعان ما نتوارى حتى نختفي أمام كلمة حلوة واحدة. لطالما رأيت دقة وعظمة إبداع الخالق في المخلوق الذي نطلق عليه المرأة.. تبدأ طفلة، وتكبر شابة، تصبح زوجة، ثم أما، ثم جدة، وفي كل انعطاف أو سيطرة للتعب، تهفو وتغفو لتعود إلى أولى أدراجها، إلى سذاجتها الحلوة، ولطفها الشقي، إنها تعود لتصبح طفلة.

كثيرا ما تخرج الإناث عن صمتها، لتتهم الرجال بكل نقص، تنعتهم بالقسوة والقصور، كثيرا ما تؤنب وتهذب وتتذمر، كثيرا ما تعتب وتغضب وتبكي، إلا أنها وفي نهاية المطاف، تكون دائما الحضن الأحن والأسبق والأوسع، إذا ما تعرضوا لأي مطب حياتي.

نحن لا نملك الأسلحة الثقيلة، ولا نجيد لغة العنف والتعنيف، لكننا وعلى الرغم من كل هذا، بإمكاننا أن نغير الواقع "بقلم روج".. فقط إقرؤونا بحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.