شعار قسم مدونات

الشيعة وغربة الهوية

BLOGS - IRAN
لطالما كانت الهوية مركبة من عناصر متعددة، فهي بالضرورة متغيرة في الوقت ذاته الذي تتميز فيه بثابت معين. وتعد ّ الذاكرة التاريخية والإرث الثقافي والاعتقادي المتصل؛ مكونات أساسية في الهوية التراكمية الجمعية، وكذلك تفرض الحركة الزمنية تغيرا في هوية الجماعات البشرية من الفناء الى الولادة أو الانشطار في بعض الأحيان.

بزغ فجر الإسلام ليحدث ثورة على مستوى الهوية في منطقة العرب وامتداداتها، مخلصاً أهل جزيرة العرب، وبلاد الشام والرافدين من التشكل الكاذب للهوية المتأرجح بين السيطرة والنفوذ المتبادل بين الفرس والروم، راسمًا بذلك ملمحًا جديدًا للهوية الإسلامية الجامعة والمانعة.
 

ما إن اندلع الربيع العربي حتى وقفت إيران بازدواجية مفضوحة ومن خلفها رجالاتها من الشيعة العرب بين مؤيد للتحرك الشيعي في البحرين، والثورات العربية الأخرى.

أجبرت الحركة التاريخية هذه الهوية لتصدع والتزاحم بين الهويات، مع تحول الحكم من الخلافة الى الوارثة، ثم ظهور نزاع بين القوميات الفارسية والتركية منذ عصر الرشيد للاستفراد بالحكم خاصة بعد انشغال العرب بالحضارة والترف.

في خط موازٍ لهذه التزاحمات والتقلبات بين الهوية التراكمية للأمة، كان الانشقاق العمودي في الهوية الإسلامية ذاتها، ذلك الخطر الداهم والقادر على التجدد والتعمق أكثر فأكثر في الهوية الجمعية، ونقلها من مانعة للجماعة والمجتمع إلى حروب إبادة وتهجير.

بدأ الانشقاق بعد موقعة الجمل وصفين وتبنت الطائفةُ المنشقة -الطائفةَ الشيعية- فكرة أحقية آل البيت من أحفاد علي – رضي الله عنه- بالخلافة وإمامة المسلمين، وظل دور هذه الطائفة سياسيًا قائمًا على المعارضة ورفع المظلومية، فشجعت وساندت الحركات الثورية ضد الدولة.

إن جوهر الصراع الطائفي بين السنة والشيعة يعود لأسباب سياسية؛ ولهذه الأسباب دور في تحويل الصراع من كونه مجرد صراع فكري وأيدلوجي إلى أن يكون صراعًا مسلحًا. الطاهر يحيى
وقد استطاعت هذه الطائفة أن تؤسس دولة ذات هوية طائفية شيعية في المغرب العربي ومصر بتزامن متأخر من الدولة البويهية في شرق العراق وغربي إيران ، وظهرت أيضا النزارية والتي لعبت دورا في إعاقة المقاومة السنية الإسلامية ضد الحملات الصلبية من خلال الاغتيالات لمعظم القادة.

وعندما كتب الأتراك المماليك خاتمة الحروب الصليبية والتي كانت الإمبراطورية الفاطمية قد تلاشت منذ زمن بعيد، ولم يبقَ من الحشاشين بعد الحروب الصليبية سوى طيف باهت لأسطورة مرعبة ومفزعة في ممارسة الاغتيال، ثم تحولت الشيعة الإسماعيلية بعد ذلك الى جماعة مسالمة تعيش على هوامش المجتمعات الإسلامية.
 
وهكذا تكونت خريطة التشيع في المنطقة، فانقسم العراق إلى شيعة وسنة، مع صعود سياسي للسنة إثر سقوط الدولة البويهية الإمامية، وبزوغ نجم السلاجقة ،مصر الفاطمية ظلت سنية في العمق وانحصر التشيع في النخبة السياسية الحاكمة بينما الشام كانت الغالبية شيعية منذ سقوط الإمارات (( الحمدانية والعقيلية والمرداسية)) لتعود بعد ذلك لتتسنن من جديد، ولكن ميلاد الدولة الصفوية أدخل العلاقة السنية الشيعية مرحلة جديدة، وحقبة حرجة في تاريخها المتموج، وازدادت الفجوة بين الطائفتين عمقًا واتساعًا ، حينما حملت الخطوط الطائفية على الخطوط القومية الموازية وامتزج التشيع والتسنن بين العرب والفرس تحزبات عرقية وانتماءات ثقافية ضاربة في الجذور التاريخية، بدأت الصفوية كحركة دينية ذات تطلعات سياسية ما لبثت أن توسعت حتى انتهت إلى إقامة دولة شيعية مترامية الأطراف على أشلاء أبناء السنة والجماعة الذين يشكلون غالبية السكان في إيران.

يكفي أن نذكر أن هذا الرجل ((الشاه اسماعيل الصفوي)) عمد على فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة وكان شديد الحماس في ذلك سفاكا لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالفه ولا يجاريه، وقيل أن عدد قتلاه ناف ألف ألف نفس" علي الوردي.

وظل النظام الإيراني حتى بعد سقوط الدولة الصفوية يروّج لولاية الفقيه وما نظام الخميني إلا ثمرة لهذا الترويج، حيث طور الخميني نظرية ولاية الفقيه والتي تنص على أن للفقيه ولاية على الفقه ذاته ويستطيع أن يغير نصوص الشريعة وينسفها ويكتب مكانها شرعًا جديدًا.

وبما أن النظام الإيراني وسلطة ولاية الفقيه قائمة على أساس هذه الفتوى، لذلك تسعى إيران للسيطرة على حوزتي النجف وكل حوزات ومراقد الشيعة وبات الباب مفتوحًا للسيطرة عليها، خاصة بعدما احتلت أمريكا العراق واسقطت نظام صدام حسين، الحافظ للعرب من التوغل الإيراني، أصبحت النجف مكشوفة عارية بين يدي النظام الإيراني، وتمكن الخميني من أن يجعل الهوية الخمينية عابرة للزمان والمكان قافزا بذلك على الهوية الوطنية التي كان لابد منها بعدما أصبحت الدول العربية واقعا لابد منه، وما مكن الخميني من النفاذ إلى الشيعة العرب إلا الضياع والتشوه في الهوية الوطنية ولاسيما بعدما استعانت الأنظمة الحاكمة بالولاءات الجهوية والعشائرية في إحكام القبضة على أجهزة الدولة وخصوصاً جهاز الأمن، وأدى هذا النكوص الى العشائرية والجهوية إلى تفسيرات طائفية معينة.

فشلت أمريكا في تحييد وتقليص الدور الإيراني في العراق؛ وذلك بسبب العلاقة المعقدة مع القوى الإسلامية الشيعية الخمينية في العراق والمنطقة، مستغلة أيضا المقاومة السنية في العراق لتغض أمريكا الطرف عن دعمها غير المحدود للمليشيات المسلحة المرتبطة والمنفذة مباشرة لأوامر ولي الفقيه
إنهم يتصورون أنه بعد سقوط صدام حسين يمكن ل أمريكا إدارة شؤون العراق، متناسين حقيقة وجود الزعمات الدينية في العراق ونفوذ إيران عليهم وعلى البلاد؛ لذلك لا يمكن لأمريكا أن تحقق أياً من أهدافها. قاسم سليماني..

وما إن اندلع الربيع العربي حتى وقفت إيران بازدواجية مفضوحة ومن خلفها رجالاتها من الشيعة العرب بين مؤيد للتحرك الشيعي في البحرين، والثورات العربية الأخرى.

لم يعد الكلام عن هوية إسلامية جامعة مجديا اليوم بعد هذا الانقسام الطائفي العمودي والعرضي في الطائفة ذاتها، الذي أصاب الهوية الإسلامية، وعليه يجب تعزيز الهوية الوطنية.

ولكن ما إن انفجرت الثورة السورية حتى أزاحت وشاح الخداع لتتبنى قمع الثورة السورية؛ وذلك من خلال الدعم اللامحدود لبشار الأسد في القتل والتدمير والتهجير، والانقلاب على الشرعية في اليمن عبر الحوثي؛ لأن إيران تدرك أن نجاح الثورة في سوريا واليمن يقوض حلمها في السيطرة على المنطقة من خلال علاقة التعدي التي تمر بالأرض، ثم السيطرة الشيعية التي باتت مرتبطة جميعها اليوم بالولي الفقيه.

وما تدخل إيران اليوم في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين إلا دليلا دامغا على قدرة إيران في السيطرة على هذه المجاميع العسكرية التي تعد الأقوى والأكثر تسليحا في المنطقة.

وتأبى الدول الخليجية التي شاركت في إسقاط النظام العراقي وتسليم العراق لإيران والمهددة من الزحف الشيعي الخميني لبيتها الداخلي في التكفير عن خطئها في دعم حركات التحرر الوطنية والإسلامية لصد الصائل الإيراني.

وأخيرًا لم يعد الكلام عن هوية إسلامية جامعة مجديا اليوم بعد هذا الانقسام الطائفي العمودي والعرضي في الطائفة ذاتها، الذي أصاب الهوية الإسلامية، وعليه يجب تعزيز الهوية الوطنية والتي يمكن تخيلها جامعة بين السنة والشيعة والعضوية في الدولة على أساس حقوقي وليس على أساس العضوية في الجماعة هي المواطنة في دولة متعددة الانتماءات والهويات الثقافية ولا يمكن للهوية الوطنية أن ترى النور مالم يتم كبح جموح المارد الخميني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.