شعار قسم مدونات

الجميلةُ فطرة..

blogs - love
لم أحصر الجمال يوما في تقاسيم جسد فاتن، أو في لمحات وجه جميل، لم ألتفت مرة إلى تغنج متكلف، ولم أرع انتباها ولو لوهلة لترقق كاذب، أو أنوثة ناقصة أُشبعت كذباً بمساحيق ملونة، تخفي من البشاعة الشيء الكثير.

جمالُ المرأة بالنسبة لي متمثلٌ في اكتمال أنوثتها التي تحترم قدرها ومنزلتها، لا التي تحط منها في سوق النخاسة والرجال بأزوقة مثيرة، وتكلف شهواني، جمالها يكمن في حسن تلطفها وأناة طبعها الحاني، في عذوبة ألفاظها الحيية، ولباقة تصرفاتها المرهفة، في حكمة عقلها الحصيف، وفي حلمها الصابر عن كل أذى.. ذاك هو سحرها، وهنا تكمن نضارتها.

المرأة.. هي الملاذ الذي تلجأ إليه حين الخوف ووقت الضعف، هي وطنٌ لا يعرف الخيانة، وطنٌ يكرهُ اغتراب أبنائه وهجرتهم.

سيدتي الجميلة فطرةً، لم يكن الجمال يوماً مصدر إلهامك؛ ذلك أن القمر ليس بمؤنث، وأجملُ الخلق ذكرٌ اسمه يوسف…فلا تكترثين بما يقولون، إن شانئك هو الأقبح_ دعي عنك كل هذه الترّهات المتعلقة بالشكل والمظهر، بالميوعة والإثارة، بالسطحية والحماقة، بالعبث والخلاعة، فقوتك تكمن في خزائن قلبك وأوعيته.. في ودائع صدرك وشغافه، هناك حيث قوة الحب وصدقه.

الحب هو هبة الرحمن لك، هو هدية السماء للصادقين، هو لغة أصفياء القلوب، هو لغة لا يتقنها سواكِ، وأنت من أورثتها للرجال حسا، عسى أن يشعروا بدفء مشاعرك الفائضة هياما.

رغم كل ما تحتويه الجنة من نعيم ورغد، رغم كل ما فيها من سعادة وصفاء، بالرغم من كل ذلك، خُلقت حواء، خُلقت لآدم، خُلقت من ضلعه لتحتويه، لتضمه_ لتغرقه عطفا وتشبعه حنانا، خلقت لتكون أما ليس كمثلها قلب، لتمسي أختا هي كل شيء، لتصبح زوجة فتغنيك عن كلّ ما سواها.. خلقت بصورتها الحسية، جميلة، مرهفة، لطيفة بفطرتها، خلقت بطبعها الناعم، سمحة وحييّة .

المرأة.. هي الملاذ الذي تلجأ إليه حين الخوف ووقت الضعف، هي وطنٌ لا يعرف الخيانة، وطنٌ يكرهُ اغتراب أبنائه وهجرتهم، هي أمّ لا ينبض قلبها إلا بنبضات حبك لها، أمّ وكفى؛ هي السعادة التي لا تتحقق إلا بك وفي وجودك، هي الروح التي لا تفارق جسدك.. حيث إن مفارقته لا تعني إلا الموت، هي الحياة التي تتنفس بك، وفي حضورك، هي طيفك.. وحلمك.. هي كل آمالك التي ستبدأ معها وبها.

تقابل قسوة الرجال بابتسامة رائقة، وجفاءهم بلطفٍ وحنو، وعتوهم بشفقةٍ وأناة، أولئك الذين تعودوا النكران والإجحاف إلا من رحم ربي، وقليلٌ ما هم.

الحب امرأة، والمرأة لا يكرمها إلا كريم، ولا ينقص من قدرها إلا لئيم معدوم المروءة، لا يسيء إليها إلا عتل جلف غليظ الطبع، فإياك وحزنها، إيّاك.

مريم التي تمنت الموت، ورجت أن تكون نسياً منسيا، طالبها الرحيم بأن تقرّ عينها، وخاطبها بألا تكلم اليوم إنسيا.. "فناداها من تحتها ألاّ تحزني" لا تحزني هو خطاب الرحمن لك، حرص على ألا يصيبك حزن ولا ضيق ولا هم، ذلك أن حزنك عميق، يثير القلوب ويستثير المشاعر…فلا تحزني.

حبيب الرحمن وسيد العالمين ثبتته امرأة بأمر من الله، امرأة طاهرة النفس وصادقة المشاعر آمنت به وقت أن كذبه الناس، "أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق"؛ امرأة ثبتت قلبا رحيماً لم يسبق أن خُلق مثله ولن يكون، قلبا شجاعا مؤمنا مطمئنا لم يبحث عن سواها، ولم يدر بخلده عداها… "خديجة"، امرأة بأمة.
امرأة العزيز اعترفت بذنبها بعد أن كادت بقلبها المشتعل حبّا، ذلك ليعلم أنها لم تخنه بالغيب، مكرت من أجل حب، لا بسبب سلطة أو حسد وحقد دفين.

"سبأ " . النبأ اليقين.. هناك كانت امرأة راشدة محنكة، امرأة مفوهة وحازمة.. تمكنت من صنع مستقبل لقومها، وأسلمتهم.

نسوة المدينة قلنَ حاش لله ما علمنا عليه من سوء، لم يمكرن به، ولم يفترين ويكذبن. ذلك أن الأصل في قلوبهن الصدق والرأفة.

سلطتك الأنثوية تمثلت في بلقيس، ملكة مملكة امتازت بحضارة لافتة راسخة وسط ممالك رجالية متصحرة من الفكر والحضارة.. ذلك أن الهدهد لم يحفل بأي مملكة سواها، ولم يكترث بخبر أي منها. "سبأ " . النبأ اليقين.. هناك كانت امرأة راشدة محنكة، امرأة مفوهة وحازمة.. تمكنت من صنع مستقبل لقومها، وأسلمتهم.

هذا نبأ من قبلكن وخبرهن..ذاك هو سحر النساء، وهنا يكمن جمالهن المتمثل في أرواحهن المتعلقة حبا بروحك، في لطفهن المبالغ فيه عمدا لأجلك، في رقتهن التي تذوب طوعا أمام جفوتك وقسوتك، ذلك أن للحب لغة لا تفهها إلا المرأة، فهي معلمة صامتة، لا تمن ولا تبخل، هي معطاءةٌ كريمة، ولو لم تكن كذلك، لما كانت أُمك.

خلاصة البوح أيتها الجميلة فطرة، كل من حولك يقدرك ويحبك، يهواك ويأتمر بأمرك، يبرّك ويحنو عليك.. تارة طامعا في الجنة التي هي تحت قدميك، وأخرى لجنة قلبك.. هناك حيث الحب، اللغة التي لا يتقنها سواك.. أماّ وأختاً وزوجة وابنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.