شعار قسم مدونات

مقاييس الجمال تدمرنا

blogs-معايير الجمال

دمى باربي، أميرات ديزني، الإعلانات التلفزيونية ومشاهير السينما ومواقع التواصل الاجتماعي كل ذلك رسخ لثقافة تستلزم حصر الجمال في قواعد معينة تتغير حسب توجهات خطوط الموضة وأسلوب حياة المشاهير.

 لقد أصبح هوس الجمال حالة اجتماعية تستدعي التحليل والبحث عن حلول مستعجلة، حيث أن قيمة الإنسان وتقدير الآخرين له أضحى رهينا بتوافق جماله الخارجي مع معايير رسخها الإعلام. فمن المؤسف رؤية مراهقات وهن سجينات لفكرة الخضوع لعمليات التجميل نتيجة الضغط النفسي من محيطهن و سخرية زملائهن، أو كضحايا اكتئاب بسبب صراعهن للوصول للوزن والشكل "المثاليين" تشبها بنجمة معينة.

الانتقاد السلبي قد يوقف أحلاما، يشتت عائلات ويقتل أرواحا وطموحات كانت لتبني مجتمعات. أين نحن في مجتمعنا من المقولة الشهيرة "جمال الجسم يفنى وجمال النفس يبقى"؟ 

من منا لم يعش لحظة انكسار بسبب أشخاص استهزأوا من شكله أو ملبسه فقط لأنه لا يساير أحدث صيحات الموضة؟ ومن منا لم يشهد على موقف يتعرض فيه فرد لهجوم ينتقص من شخصه لهكذا سبب. أصبحنا بالفعل نعيش اندلاع حرب تشنها معايير صنعها الإنسان، شكلت جدارا عازلا بين فئة وأخرى، أجل إنه عصر المظاهر الذي سمح للبعض باستقطاب الأضواء بينما مص إيجابية آخرين لينتهي بهم المطاف منكمشين في منازلهم خوفا من انتقادات لاذعة أخرى تفتح جروحا لم تندمل بعد.
 

ليس هذا وحسب بل حتى العلاقات الزوجية لم تسلم من شر هذه الحرب..فقد عرفت مؤسسة الزواج في السنين الأخيرة فتورا لافتا.. فصار الأزواج لا يعجبهم العجب، كل طرف ينتقد الآخر سواء فيما يخص المظهر أو الجسم أو الملابس بل تعدى ذلك للتصرفات، ضاربين المثل بنجوم السينما والتلفزيون، متناسين نتيجة ذلك من تجريح وانعدام الثقة في النفس وكسر للمودة مما يوصل للطلاق وتفكك الأسرة.
 

إن الانتقاد السلبي قد يوقف أحلاما، يشتت عائلات ويقتل أرواحا وطموحات كانت لتبني مجتمعات. أين نحن في مجتمعنا من المقولة الشهيرة "جمال الجسم يفنى وجمال النفس يبقى"؟ أين نحن من المساواة الإنسانية التي حثت عليها الديانات السماوية والقوانين الدولية؟
 

قال -صلى الله عليه وسلم- في خطبته في حجة الوداع: (لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) فأصل البشرية قاطبة أصل واحد مهما اختلف جنسه أو لونه أو شكله، فالكل سواء عند الله في آدميتهم وإنسانيتهم لا تمايز بينهم إلا بالتقوى.(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم).
 

كل ما علينا هو تطوير نظام ذاتي يقودنا لهدفنا دون أن نتشتت بانتقادات الآخرين، ولنتذكر أن رأيهم لا يعبر عن حقيقتنا وإنما فقط عما يوجد في مخيلتهم

ولا ننسى بلال الحبشي، أول مؤذن في الإسلام وأول من وطأ الحرم المقدس يوم فتح مكة. قصته إقرار أن استهزاء الفرد بشكل الإنسان أو لونه بعيد كل البعد عن حضارتنا الإنسانية بل هو سمة من سمات الجاهلية. يقول الله جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء/ 70 فقد كرم الله الإنسان لعلمه وخلقه واجتهاده ودرجة إيمانه. كما قَالَ تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التِّينِ/ 4
 

فبدل أن نتوه فى دهاليز الانتقادات ونضيع سنوات من عمرنا في غرفنا مكتئبين أو نخسر حياتنا في عملية جراحية لا ضرورة لها. لنصنع أدرعا واقية من العلم والمعرفة والثقة بالنفس، لنحترم ذواتنا ونحترم الآخرين، لنعلم أن الجمال رزق من الأرزاق التي لا تحصى ولا تعد، وهو كذلك نسبي حيث أن لكل منا ذوقه الخاص، فلوحة الفنان قد يراها البعض فارغة القيمة إلا أن آخرين سينبهرون من روعتها وسيستطيعون تذوقها وفهم معانيها.
 

فكفانا ظلما لأنفسنا وظلما للآخرين، لنكتشف أسرار كينونتنا وما يميزنا، لتكن انتقاداتهم دافعا للنهوض لا للانكسار، فالنجاح خلق للجميع وليس حكرا على أحد، كل ما علينا هو تطوير نظام ذاتي يقودنا لهدفنا دون أن نتشتت بانتقادات عارية من الصحة، ولنتذكر أن رأيهم لا يعبر عن حقيقتنا وإنما فقط عما يوجد في مخيلتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.