شعار قسم مدونات

ما أنا بناهض

blogs - jafri

ما أنا بناهض..
"الحبيب الجفري".. من أشهر الدعاة المسلمين، عالمٌ بحرٌ جاز المتون، وحاز الأسانيد، وترك له في كلّ بلد تلاميذ، يُطلق عليهم "الحبايب" نسبةً له. من قريب جمع العمائم واللحى في مؤتمر عظيم ليُجدد الإسلام. 

يُحدّثنا الجفري بنبرة يملؤها اليقين عن إمامه الرفاعي وكيف ردّ عليه رسولنا السلام من قبره بصوت سمعه كلّ من في المسجد، ثم كيف أخرج نبينا المتوفى منذ ألف عام يده الشريفة من القبر ليصافح الرفاعي ثمّ لتعود تلك اليد إلى القبر، كيف ولمَ وماذا ولا أدري.. ولن تسمع جواباً مهما بلغت حيرتك.. لن تسمع سوى بكاء الحبيب من فرط العشق النبوي !
 

حينما يطلب العلماء منا أن لا نستخدم عقولنا في الدين فعليهم أن لا يستنكروا حين يطلب غيرهم منا أن لا نستخدم عقولنا في الانتخابات وهي أقل أهمية من الدين بكثير.

"عدنان إبراهيم".. مفكر مجتهد جريء لامس عقولنا بمنطقه الصلب ومواضيعه الحساسة، وكم علَّقنا آمالاً ضِخاماً عليه مُجَدِدًا ومصلحاً، دائماً ما دعانا إلى الفهم والاقتناع قبل التسليم والإيمان، وحذرنا من القبول الأعمى لأيّ شيء يُخالف العقل والمنطق، لم أدعْ محاضرة أو شيءٍ له إلا واغترفت منه.

يُحدّثنا شيخنا "عدنان" كيف أنه ذات مساء أنار ضوء المصباح دون كهرباء وسط تكبيرات طلابه.. كيف وماذا هناك وهل يُعقل؟! لن تسمع جواباً.. لن تسمع سوى صوت الشيخ "عدنان" يُحدّثك عن كرامات الله للأصفياء الأنقياء الأتقياء من عباده الأولياء والذين يصدف في تلك اللحظة أن يكون منهم !
 

"محمد نوح القضاة".. دكتور وداعية شاب، نجم برامج الوعظ الدينية الرسمية، وضيف مرح ومحبوب في كل المناسبات، وزير سابق واسع الاطلاع والمعرفة والجمهور، يُحدّثنا ذات سهرة ربانية عن قفل مغلق لباب المسجد فتحه والده الشيخ نوح القضاة -رحمه الله- ليس بمفتاحه ولكن بقراءة القرآن عليه.. خطر لي ماذا لو اكتشفنا هذه القوة الخارقة قبل عام 1967.. هل كان باستطاعة اليهود هزيمتنا مع وجود هذا السلاح بأيدينا..
هل من الممكن وهل يصحّ ذلك ؟! لن تسمع أي جواب سوى كلمات الانبهار من المذيع وفقط.

في السودان ملايين الأتباع لرجل عابدٍ عالمٍ قُطب اسمه "محمد عبدالله فحل"، غاب لأيام قبل مائة وخمسين سنة في جزيرة وسط النيل اسمها "أبا" ومن ثمّ عاد ليُعلن للناس أنه رأى في المنام من يبشره بأنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض نوراً وعدلاً وبأنه سيفتح المسجد الحرام، والأقصى، والجامع الأموي مضيفاً: "واعلمني النبي بأني المهدي المنتظر وحلفني بالجلوس على كرسيه مراراً بحضرة الخلفاء والأقطاب والخضر وجمع من الأولياء الميتين وبعض من الفقراء الذين لا يعبأ بهم، وقلدني سيفه وأيّدني بالملائكة العشرة الكرام وأن يصحبني عزرائيل دايماً في ساحة الحرب أمام جيشي وفي غيره يكون ورائياً، وأن يصحبني الخضر دايماً ويكون أمامنا سيد الوجود وخلفاؤه الأربعة والأقطاب الأربعة وستين ألف ولي من الأموات..".

ومات مولانا الإمام المهدي بالتيفوئيد قبل أن يفتح أي شيء.. مخلفا وراءه ملايين الأتباع وزوجات كثيرات وإماء، وجمجمة أثرية محفوظة.. والغريب أن أتباعه ما يزالون للآن بالملايين رغم أنهم عاشوا كَذِبَ رؤياه وادعاءاته !

في القريب جداً وفي محاضرة منتشرة على اليوتيوب يطلب منا محدث العصر الإمام "أبو إسحاق الحويني" أن لا نفكر بعقولنا إذا كنا مسلمين.. فقط نستخدمها للوصول إلى الإسلام.. لأن عقولنا كما يقول هي أشبه بالحمار الذي تركبه أيها الباحث عن الحق للوصول إلى بيت العمدة ثم تركُنه في حظيرة الحمير خارج الدار.. وكذلك عقلك، لن يكتمل إيمانك إلا إذا ركنته خارج رأسك في حظيرة العقول !
 

حينما يمتلئ خطاب بعض العلماء والمفكرين والدعاة بالحديث عن مغيبات العقل ومنافي المنطق فلا تنتظروا أن يخرج لكم جيل مؤمن يحدثكم بلغة العلم والعقل والمنطق والرياضيات.

عندما يُحدّثنا "راضي المقابلة" – قدّس الله سره – عن رؤيته لرجل أبيض في المنام يطلب منه أن "ينهض.." ليترشح إلى الانتخابات وكيف أنه أجابه: "ما أنا بناهض.." هو لا يأتي ببدعة جديدة. هو يُسْمِعُ الناس ما اعتادوا سماعه، هو يُحَدِّثُهُمْ بما تفهمه عقولهم، هو يسير على خطى بعض العلماء والدعاة والمشايخ في حديثهم مع الجمهور، أليسوا كالنجوم التي تضيء للسالك دربه.

حين يطلب منا العلماء أن نُصَدِّقَ مناماتهم ورؤاهم فعليهم كذلك أن يصدقوا مناماتنا ورؤانا.. وحينما يطلبون منا أن لا نستخدم عقولنا في الدين فعليهم أن لا يستنكروا حين يطلب غيرهم منا أن لا نستخدم عقولنا في الانتخابات وهي أقل أهمية من الدين بكثير.

حينما يمتلئ خطاب بعض العلماء والمفكرين والدعاة بالحديث عن الرؤى والمنامات والجن والمس والكرامات ومغيبات العقل ومنافي المنطق فلا تنتظروا أن يخرج لكم جيل مؤمن يحدثكم بلغة العلم والعقل والمنطق والرياضيات..
فالناس على دين شيوخهم يا موالينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.