شعار قسم مدونات

نقطة ساخنة

blogs - aljazeerablogs- blogs

العلاقة بين قضايا الإنسان والإعلام هي علاقة جوهرية وحساسة إلى حد كبير، ومن هنا يمكن لأي عمل هادف يتناول قضايا الإنسان أن يأخذ بعين الاعتبار وبشكل رئيس أهمية وضع استراتيجية خاصة بكيفية التعامل مع الإعلام وتحويله لصالح القضايا التي تمس الإنسان.

ولا أَدّلَ على ذلك ممّا للإعلام من دور في ما شهده العالم ولا يزال من تقلبات سياسية بدءً من الحرب الباردة مروراً بثورات أوروبا الشرقية وانتهاءً بثورات "الربيع العربي" الذي بدأت نسمات خريفه وغيوم شتائه تلوح في الأفق غير البعيد.
 

مع انتهاء بعض المجتمعات من ثوراتها وبعضها الآخر في خضم المعارك الطاحنة ما زالت وسائل الإعلام تنساق وراء الساسة وصراعاتهم.

وخلال الثورات العربية "الربيع العربي" قبل أن يَضِلّ طريقه، تسابقت وسائل الإعلام في نقل الخبر وامتلأت الشاشات والصحف بالأخبار العاجلة وحملت إلينا صور البيوت المهدمة والأشلاء المقطعة وأسمعتنا صوت الانفجارات والمدافع والتدافع والحرائق والبلطجة والاقتحامات، واستمر الحال ووصل الأمر لحروب دامية وصراعات لا نعرف متى تنتهي وما زال إعلامنا العربي يُتخمنا بتلك الصور ويتناسى ماذا حصل لأصحاب تلك الصور.

 

وبنظرة فاحصة نقول إن إعلامنا العربي استطاع نقل الخبر ولكن لم يستطع نقل ما وراء الخبر، فبعد الدمار والقصف هناك قصص إنسانية كثيرة، وهناك أناس لم يستطيعوا إيصال صوتهم وخاصة الفئات المهمشة والأقل حظاً.
 

فبعد الخبر نتسائل ماذا حصل لدور رعاية المسنين والعجزة؟ وأين ذهب نزلاءها؟ وماذا حصل لدور رعاية الأيتام؟ وماذا حصل لمستشفيات الأمراض النفسية؟، وينطبق الحال على كافة مؤسسات الإعاقة الرعائية منها والتأهيلية والتعليمية، ولعل هذه الشرائح هي أكثر الفئات المجتمعية تأثراً بالظروف المتردية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي يمر بها الوطن العربي الكبير.
 

وإذا أخذنا بالقياس في هذا المقام على قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن السؤال يثار حول حقيقة النظرة الإعلامية للإعاقة؟ فالمتابع للتغطية الإعلامية لا يحتاج إلى كبير عناء لإدراك أن الإعلام يتعاطى مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم بوصفها مادةً صحفيةً مجردةً بغض النظر عن فحوى القصة أو المادة محل التغطية، ولم ينظر إليها كقضية حقوقية نصت عليها عديد من المواثيق ذات الشأن.

جاء في ديباجة الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين بالنص "وإذ تضع في اعتبارها أن توفر أوضاع يسودها السلام والأمن القائم على الاحترام التام للمقاصد والمبادئ المنصوص عليها في الميثاق واحترام صكوك وحقوق الإنسان السارية هي أمور لا غنى عنها لتوفير الحماية الكاملة للمعوقين ولا سيما في حالات النزاع المسلح والاحتلال الأجنبي".

تناول قضية إنسان مستندة على حقه في الحياة الكريمة وفق ما كفلته الدساتير والاتفاقيات الدولية تعتبر قضية ساخنة أكثرمن سخونة القذائف.

ومع انتهاء بعض المجتمعات من ثوراتها وبعضها الآخر في خضم المعارك الطاحنة ما زالت وسائل الإعلام تنساق وراء الساسة وصراعاتهم، دون الالتفات لكثير من القضايا الحقوقية والتي تتعلق بحق الإنسان، وتصر على نقل الخبر دون الالتفات لتبعات الخبر، (وإن قدم بعض النماذج فإنما قدمها على استحياء).

لهذا يأتي دور وسائل الإعلام من خلال المساهمة في تحقيق المبادئ القانونية الحقوقية للإنسان، وآن الأوان لإعادة النظر بتعريف النقاط الساخنة والتي يتبناها الإعلاميون.

فإن تناول قضية إنسان مستندة على حقه في الحياة الكريمة وفق ما كفلته الدساتير والاتفاقيات الدولية تعتبر قضية ساخنة أكثر سخونةً من القذائف والصواريخ إذا ما تم تناولها بشكل صحيح، كما آن الأوان للبحث في ما وراء نقل الخبر الأولي بشكل أكثر مهنية وحرفية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.