شعار قسم مدونات

لمن تقرأ؟

blogs - reading

لا يمكن إطلاقاً أن تبني بنياناً على الفراغ، ذلك أن لكل شيءٍ أساسٌ يقوم عليه، من هذا المنطلق فإن للقراءة أيضاً أساس وأساسها ما كتبه القدماء وتواتر عبر العصور حتى وصل إلينا في عصرنا الحديث، فلتسأل نفسك إذا كنت قارئ هل تكتفي فقط بالأطروحات المعاصرة أم تقرأ ما كتبه القدماء في شتى المجالات؟
هل تضيف الكتب والروايات المعاصرة لحصيلتك الفكرية واللغوية أم أنك تقرأها فقط لأن الآخرين مقبلين عليها؟

لا يقتصر أمر القراءة فقط على الأدب العربي إنما في كل المجالات من شتى العلوم.

من القدماء من هو أقدم مثل الجاحظ و شهاب الدين الأبشيهي ومنهم أدباء القرن العشرين الذين أضافوا كثيراً للأدب العربي كلٌ منهم له فكره الخاص وأسلوبه المميز الذي تميَّز به عن الآخر، لكن الناظر اليوم إلى الإنتاج الأدبي في الوطن العربي يرى أنه قد قلَّ بشكل ملحوظ ولم يكن كسابق عهده وكل الأعمال المنتجة لا ترقى سلم أدباءنا الكبار الذين هجر القراء الجدد أعمالهم وتجوهوا إلى منتوجات أدبية معاصرة دون البدء بهم باعتبارهم الأساس والبنية التي يُشيد عليها صرح القراءة.
 

إن القارئ النهم هو من يبدأ بأعمال الكبار وهم في وطننا كثر منهم على سبيل المثال اللبناني جبران خليل والمصريان طه حسين ومصطفى الرافعي والسودانيان عبدالله الطيب والطيب صالح والفلسطيني غسان كنفاني والأردني تيسير سبول والسوري علي الطنطاوي والصومالي نور الدين فرح والليبي إبراهيم الكوني والمغربي محمد شكري والجزائرية أحلام مستغانمي فهؤلاء الكتاب إن لم تقرأ لهم كأنك تبني صرح قراءتك في فراغ.
 

ولا يقتصر أمر القراءة فقط على الأدب العربي إنما في كل المجالات من شتى العلوم فأساس العلوم الدينية الكتب السماوية، السنة وشروح الفقه والشريعة، وقصص الأنبياء جميعاً لما فيها من عبر وأضواء خالدة.
 

القارئ الجيد هو الذي هوالذي ينهل من كل بحر رشفة بمعزل عن انتماء الكتاب الفكري والديني طالما أن الهدف هو انتقاء الفكر.

أما التاريخ يعطي فكرة كاملة عن الأحداث الماضية وكيفية حياة الأمم باختلافاتها بدءاً من العصور البدائية حتى تطوّر الحياة الإنسانية على شكل مجتمعات وحضارات، مثل التي قامت في اليونان «الإغريقية» والصين «الصينية» وأمريكا اللاتينية «المايا» والمصرية «الفرعونية» والسودانية «النوبية» وحضارات بلاد الشام «السومرية» مروراً بالعصور الوسطى ثم تاريخ أوربا وآسيا وأفريقيا والاستعمار والحروب والبطولات والفتوحات الإسلامية والشخصيات التاريخية العظيمة بشكل عام.
 

كما لا ننسى الفلسفة الإسلامية وما كتبه فلاسفة اليونان قبل التاريخ وما انتهجوها من أفكار تطبيقية وإبحارات أبحروا بها في مكامن النفس البشرية، ولا ننسى أيضاً الموسوعات التي تركها الرحالة الأمازيغي المغربي بن بطوطة و مقدمة بن خلدون مؤسس علم الاجتماع.
 

عموماً فإن القارئ الجيد الذي يفيد نفسه هو ذلك الذي يبدأ بما كتبه الآخرون قبل ألوف السنين، وهو الذي ينهل من كل بحر رشفة بمعزل عن انتماء الكتاب الفكري والديني طالما أن الهدف هو انتقاء الفكر والمعرفة فإن كل ما يتوافق مع المنطق الإنساني هو مرغوب ومحبوب، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها تشرب منها.
 

لذا فإن اكتفاء العقل بالأطروحات المعاصرة أشبه ببناءٍ دونما أساس، بنيانٌ آيلٌ للسقوط في أي لحظة مقابل تلك البروج التي شيدتها القراءات القديمة عندما تفصح عنها المواقف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.