شعار قسم مدونات

فريد.. مؤسس الحركة النقابية في مصر

blogs - cai
محمد فريد باشا، ربما سمعت بهذا الاسم من قبل، أو قرأت عنه أثناء دراستك، ولكن ما الذي تتذكره من معلومات عن هذا الزعيم؟. غالبًا لن تتذكّر سوى أنه كان زعيمًا وطنيًا، و رفيق كفاح الزعيم مصطفى كامل فقط. فاسمح لي أن أضيف لمعلوماتك القليل.

– من هو؟

هو محمد فريد باشا، مصري من أصول تركية، ولد عام ١٨٦٨م، عاش في مصر وتعلَّم في مدرستي الألسن والحقوق، عمل في نيابة الاستئناف بعد تخرُّجه ثم احترف مهنة المحاماة. تم انتخابه عام ١٩٠٨م رئيساً للحزب الوطني بعد مصطفى كامل باشا في ظروف سياسية بالغة السوء، كانت هذه الفترة أحد أسوأ الفترات التي مرَّت بها الحركات الوطنية بسبب تشديد الخناق عليها من القصر والاحتلال.

– محمد فريد مُثقَّفًا:
كان فريد واحداً من أبرز المُثقفين الشغوفين بالفِكر والنضال الثوري، وتجسّدت ميوله الفكرية والثقافية في مجموعة من مؤلفاته ككتاب «من مصر إلى مصر»، وكتاب «تاريخ الدولة العلية العثمانية»، وكتاب «تاريخ الرومانيين» وغيرها من الكتب، إضافةً إلى ذلك ساهم في إنشاء جريدة «اللواء» وأيضًا أنشأ مع مجموعة من أصدقائه مجلة علمية سميت ﺑ «الموسوعة». وبالإضافة إلى نضاله الفكري التنويري؛ كان فريد معروف على نطاق أوسع بنضاله الحركي الوطني، حيث كان يناضل لأجل الوطن وحريته في الداخل والخارج. حيث كان دائم الحديث والإعلان عن أن مطالب مصر هي: الجلاء والدستور.

– النضال الحركي لمحمد فريد في الداخل: 
– حَارَبَ من أجلِ الدستور: بدأ في نضاله من أجل الدستور بمطالبة بطرس باشا غالي – رئيس الوزراء حينها – بإعلان الدستور. ووَضَعَ صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، طبع منها عشرات الآلاف من النُسخ، ودعا الشعب إلى توقيعها وإرسالها إليه ليُقدّمها إلى الخديوي؛ نجحت الحملة وذهب فريد إلى القصر يُسلِّم أول دفعة من التوقيعات وكانت 45 ألف توقيع وتلتها دفعات أخرى. بدأ في دعوة الوزراء إلى مقاطعة الحكم، وقال "من لنا بنظارةٍ (أي وزارة) تستقيل بشهامةٍ وتعلن للعالم أسباب استقالتها؟. لو استقالت وزارة بهذه الصورة، ولم يوجد بعد ذلك من المصريين من يقبل الوزارة مهما زيد راتبه، اذن لأُعلِنَ الدستور ولنلناه على الفور."

– مَنَعَ مدّ امتياز قناة السويس:
شنَّ الحرب على وزارة بطرس باشا غالي بسبب مشروع مد امتياز قناة السويس، حيث أعدّت الحكومة البريطانية بالاتفاق مع شركة قناة السويس مشروعًا لمد أجل امتياز شركة قناة السويس لمدة أربعين عامًا أخرى؛ ليصل عقد الامتياز حتى عام 2008 بدلا من عام 1968 والتي كان مقرراً أن تنتهي فيها التسع وتسعون عامًا الأولى؛ تيقَّظَ فريد للأمر، وتمكّن من الحصول على نسخة من مشروع هذا الاتفاق في أكتوبر عام 1909، وبادر إلى نشرها في جريدة اللواء، وبدأ حملة ضخمة على المشروع، حيث قال في مقال له بجريدة اللواء :" كيف يجوز لهذه الحكومة أن تتساهل في أمر إطالة أمد الشركة مع علمها أن القناة كانت السبب في ضياع استقلال مصر … وكل مصري حر يتوق أن يراها ملكًا لمصر، حتى لا يبق لأوروبا وجه للتدخل في شئون مصر ".

 أنشأ أول نقابة للعمال عام 1909. ودعا إلى وضع تشريع للعمال يراعي مصالحهم، ويرفع عنهم البؤس والجهل والإرهاق.
ولكن حادثةً وقعت وقتها حسمت القرار، وأنقذت القناة من احتكار جديد، حادثة اغتيال (بطرس باشا غالي) على يد ( إبراهيم ناصف الورداني) الذي لم يقتل غالي وحده، بل قتل معه المشروع بأكملهِ بعد أن كان المشروع في طريقه للتنفيذ.

– مؤسّس الحركة النقابية المنظمة في مصر:
وضع فريد أساس حركة النقابات في مصر؛ فأنشأ أول نقابة للعمال عام 1909. ودعا إلى وضع تشريع للعمال يراعي مصالحهم، ويرفع عنهم البؤس والجهل والإرهاق. وأسس أول اتحاد تجارى في عام 1909 ودعا إلى مقاطعة الحكومة. عرفت مصر علي يديه المظاهرات الشعبية المنظمة – كان يدعو إليها – حيث كان باستطاعته الحشد إليها، وتعبئة الناس نحو مطلب واحد؛ كما حدث عندما طالب القصر والحكومة بوضع دستور لمصر.

– كان يؤمن أنَّ التعليم هو الطريق للحرية:
أدرك أن السبيل الوحيد ليكون الشعب أكثر بصيرة بحقوقه، ويطالب بحريته، وتكتيله في تشكيلات ليكون أكثر قوة وارتباطاً هو: التعليم. حيث أنشأ مدارس ليلية في الأحياء الشعبية لتعليم الفقراء وكبار السن الأميين مجاناً، وذلك في أحياء القاهرة ثم في الأقاليم. وكان يدعو دائماً إلى تعميم التعليم الابتدائي وجعله مجانياً وإلزامياً، كما ساهم في إنشاء الجمعيات الخيرية بهدف تأسيس المدارس، وعمل على إنشاء مدرسة ثانوية في كل مدينة، وكان من أهم العناصر المؤسسة لمشروع الجامعة المصرية.

– سجنه بسبب مُقدمة ديوانه الشعري:
تعرَّض فريد للمحاكمة؛ بسبب مُقدمة كتبها لديوان شعر بعنوان (أثرُ الشعرَ في تربيةِ الأممِ) قال فيها: " لقد كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال … كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود علي المستمع، حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا، والحض علي الكسل وانتظار الرزق بلا سعي ولا عمل". حُكم عليه بالسجن ستة أشهر – بسبب ما كتبه في مقدمة ديوانه – قضاها جميعاً، ولدى خروجه من السجن كتب الكلمات الآتية: " مضى عليَّ ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبداً بالضيق إلا عند اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج إلى سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد .. ويحرسه الاحتلال! "

عقد مؤتمراً وأنفق عليه من ماله الخاص؛ ليدعو إليه كبار معارضي الاستعمار، ليوصل صوت القضية المصرية إلى المحافل الدولية.

– نضاله في الخارج: 
سافر فريد برفقة الزعيم مصطفى كامل إلى العديد من البلدان الأوروبية مدافعًا معه عن قضايا الوطن، وفاضحًا لممارسات الاحتلال في مصر. أدرك فريد ضرورة توضيح القضية المصرية للشعوب الأوروبية؛ للضغط على بريطانيا حتى تنهى احتلالها لمصر، حيث استخدم مواهبه الخطابية والثقافية في الدفاع عن قضية بلاده، وعقد مؤتمراً لبحث المسألة المصرية بباريس، وأنفق عليه من ماله الخاص؛ كي يدعو إليه كبار معارضي الاستعمار، لإيصال صوت القضية المصرية إلى المحافل الدولية.

– نهاية مؤلمة لزعيمٍ وطني:
استمر محمد فريد في الدعوة إلى الجلاء والمطالبة بالدستور، حتى ضاقت الحكومة المصرية الموالية للاحتلال به وبيّتت النية بسجنه مجدداً، فغادر البلاد إلي أوروبا سراً، حيث وافته المنية هناك في منفاه ببرلين في 15 نوفمبر عام 1919، بعد أن اشتد عليه المرض، وحيداً فقيراً، حتى أن أهله بمصر لم يجدوا مالاً كافياً لنقل جثمانه إلى أرض الوطن. فتولى أحد التجار المصريين نقله بنفسه على نفقته الخاصة، وهو الحاج (خليل عفيفي) – من الزقازيق – باع كل ما يملك وسافر لإحضار جثته من الخارج وقد أخذ نيشانًا لما فعله.

– كتب ودراسات عنه:
مذكرات محمد فريد، المجلد الأول، رؤوف عباس، دراسة وتحقيق، القاهرة، 1975.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.