شعار قسم مدونات

سقوط داعش وقيام الخلافة على منهاج النبوة!

Masked Kashmiri youth hold (R to L) the flag of the group calling themselves Islamic State (IS), Lashkar-e-Toiba, and posters of Pakistan founder Ali Mohammad Jinnah and former ISI chief Hamid Gul and local militant commander of Hizbul Mujahideen Burhan during a protest outside the Jamia Masjid (mosque) in downtown Srinagar, the summer capital of Indian Kashmir, 28 August 2015. According to local reports the flags of extremist groups have become a common sight during Friday prayers.

خلال السنوات السابقة، ورغم كل رسائل التهديد والتكفير من أنصار داعش، ورسائل النُصح التي ما بخل بها علي أحبائي من قبيل "إذا كنت لا تخاف على نفسك، فخف على أهلك. هذا التنظيم مجرم ولن يرحمهم، قصائدك ومقالاتك لن تجدي، ستعرض نفسك وتعرض أهلك لمزيد من الخطر و وو " أبيت أن لا أتوقف حتى لو كان جهدي المُقل لا يطفئ من هذه النار إلا بالمقدار الذي تفعله نملة تحاول بفمها إطفاء حريق في غابة.

خلال تلك الفترة، كان المناهضون لداعش من أبناء بلدتي لا يتجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة، والبقية بين مذبذب تائه ومعارض أسكته الخوف، ومؤيد حتى النخاع، ومحارب في صفوف التنظيم، ومنافق.

كان الهدف بالنسبة لي هو التوعية، وتذكير الغافلين بالنماذج التاريخية التي قامت على أساسها دول وانحطت دول، مخلفة وراءها ملايين الضحايا، الذين كان بينهم من قاتل وقُتل من أجلها تحت راية جهادية زائفة، تعتمد على نقولات وروايات مدسوسة فيما نُسب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم في تراثنا الإسلامي، تتنبأ بقيام خلافة على منهاج النبوة وتخبر عن رجل يلقب بالمهدي المنتظر وو.. وغيرها من الروايات التي كُتبت في القرن الثالث الهجري، أي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يقل عن (200 ألف سنة).

هناك خلط بمفهوم الخلافة، فالخلافة العباسية مثلا سميت خلافة لكنها لم تكن على منهاج النبوة في جانب انتقال السلطة

المتبحر في التاريخ سيجد العشرات من أصحاب هذه الدعاوي، بعضهم نجح وأسس دولة جعلت لنفسها حظوة ومكانة، وبعضهم فشل وسقط في أول الطريق.

لكن القاسم المشترك بين كل هذه النماذج كان عدم تطبيقها لمبدأ الشورى و الطريقة التقليدية في توريث السلطة، رغم أن الروايات التي تخبر عن قيام خلافة على منهاج النبوة يساء فهمها إذا ما سلمنا جدلاً بصحتها. فمنهاج النبوة لم يُورِث قط سلطة. وهذا ما أسس له خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم حين لم يعين وليا للعهد في حياته، وترك الأمر للشورى، والشورى لا تكون إلا برأي الجماعة ورأي الجماعة إذا ما أسقطناه على زماننا ستفرزه صناديق الاقتراع.

وهناك خلط بمفهوم الخلافة، فالخلافة العباسية مثلا سميت خلافة لكنها لم تكن على منهاج النبوة في جانب انتقال السلطة و تعيين الخليفة، لأنها تعتمد على توريث السلطة لولي العهد الذي يتم تعيينه في حياة الخليفة، ليستلم زمام السلطة بعد سلفه ، وكذلك كان الحال في الخلاقة الأموية من قبل. أي أن الخلافة القادمة في حال كانت الروايات صحيحة لن تكون أموية النموذج أو عباسية.

فحين نقول أن داعش سوف تسقط، لا نرجم بالغيب ولا نعتمد على تنبؤات فلكية، الموضوع أبسط من ذلك بكثير، فقليل من المطالعة في تاريخ الدول التي قامت على ما قامت عليه داعش يفي بالغرض.

ولن يكون مهما إحصاء عدد السنوات التي ستعيشها هذه الدولة، بل المهم أنها ليست هي الدولة التي أخبرت عنها الروايات المنسوبة لرسول الله صل الله عليه وسلم بغض النظر عن صحتها.

داعش لم تأت من فراغ وقبلها طالبان وقبلها من قبلها، بل جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية لا تعترف بالإشارات المرورية التي وضعها النص القرآني

السمة الأظهر في أبجديات هذه الدول، هي الابتعاد ما أمكن عن الاستشهاد بالنص القرآني، واعتمادها الشبه كلي على نص الرواية، الذي يؤول آية قرآنية ما، أو ينسخها ويبطل حكمها مولداً حكما جديداً يتعارض مع روح النص القرآني الذي اكتفى بكتابته وتوريثه رسول الله وكبار أفاضل الصحابة الذين عملوا بوصية الشورى كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي .

زبدة القول هي أن داعش لم تأت من فراغ وقبلها طالبان وقبلها من قبلها، بل جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية لا تعترف بالإشارات المرورية التي وضعها النص القرآني، وتتجاوز التشريع القرآني لتهجين تشريع جديد، تحت بند قال رسول الله وأخبر رسول الله وروي عن رسول الله.

رغم أن رسول الله قد لا يكون قال أو أخبر، بل تم تزوير هذا القول على لسانه لتمرير تحريف في التشريع تستفيد منه دولة ما، أو فئة ما، أو صاحب غاية ما .

والذي ينبغي على المستمع بعد أن يقول سمعنا وأطعنا، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله أن يطلب من الناقل إثبات صحة النقل. فمقام إثبات النقل وعلم الرجال والجرح والتعديل، يجعل أبسط مسلم يعمل عقله يسأل: لماذا لم يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الروايات بنفسه، وهو الحريص على أمته كما أخبر تعالى في سورة التوبة 128 "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ".

ألا يعرف أنها ستكون مصدرا تشريعيا يلي القرآن أو حتى يتجاوزه في الناحية العملية؟ لماذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وأشهد على كتابته الصحابة ولم يكتب الأحاديث النبوية ولم يأمر حتى بكتابتها ؟ رغم أن القرآن محفوظ من الله بنص الذكر، سواء كتبه النبي أم لم يكتبه، والروايات غير محفوظة بدليل التزوير الكبير جداً الذي تعرضت له بسبب تأخير كتابتها حتى القرن الثالث الهجري وعنعنة أكثرها بالآحاد وأقلها بالتواتر .

الوعي هو الطريقة المثلى لانتظار خلافة الشورى على منهاج النبوة، وصناديق الاقتراع هي التي ستُخرج الخليفة القائد دون سيف أو حرب أو نقطة دم

هذه مناسبة ربما تكون جيدة لأزعم أني ربما أكون أول من يتساءل، لماذا لا يعترف النص القرآني بأقل من أربعة شهود في إثبات وقوع حادثة الزنا رغم أن حدها فيه لا يصل إلى القتل، ويقبل علماء الحديث مئات آلاف أحاديث الآحاد التي يتضمن بعضها حكم القتل الجماعي وهي برتبة الآحاد، أي بعدد شهود أقل من عدد الشهود الأربعة في حادثة الزنا التي لا يتجاوز حدها في القرآن مئة جلدة .

إذا كان حد جلد الزاني يحتاج لأربعة شهود، هل يقبل حد القتل بواحد واثنين أو ثلاثة فقط ؟ ترى هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقيم حد الزنا على متهم، بوجود ثلاثة شهود من الصحابة؟ أم أنه سيصدع بما يأمره النص القرآني حتى لو كان الشهود صحابة مشهود لهم بالصدق بنص القرآن ؟

 
أنا لا أشكك بكل الروايات المنسوبة إلى الرسول، ولكن أدعو لتوخي الحذر الشديد في التعامل مع نصوصها، وعدم نقل أو قبول أي رواية قبل التأكد التام من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها، وعرضها على ميزان النص القرآني المحفوظ والمثبت، مهما كان حرص وورع الناقل أو المنقول عنه، ذلك أن أحرص الأمة على الأمة رسول الله لم يفعل ذلك ولم يأمر به.

خلال أيام أو أشهر أو سنوات، ستنتهي داعش الدولة إلى الأبد، وستبقى داعش الفكرة موجودة في كتبنا ورواياتنا وتاريخنا، مالم نضعها في ميزان النص القرآني ونتوخى الحذر في التعامل معها.

برأيي الوعي هو الطريقة المثلى لانتظار خلافة الشورى على منهاج النبوة، وصناديق الاقتراع هي التي ستُخرج الخليفة القائد دون سيف أو حرب أو نقطة دم .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.