شعار قسم مدونات

مشاهدات هنغارية (١): عن الجيوب الداعمة للاجئين

blogs - hangarian

منذ أيام قليلة، أصدرت مجموعة "ميجسول" (Migszol)، الداعمة لحقوق المهاجرين واللاجئين، تقريراً بعنوان "الهجرة في صيف هنغاريا الطويل: الإدارة غير المسئولة تخذل الأشخاص الباحثين عن الحماية الدولية" (Hungary’s long summer of migration: irresponsible governance fails people seeking international protection) يتكون من ٩٠ صفحة عن أزمة اللجوء بهنغاريا في صيف عام ٢٠١٥. يشرح التقرير عبر ٥٠ حوار تم إجرائه مع اللاجئين المراحل التي مروا عليها على الحدود الهنغارية – الصربية في مراكز التسجيل، الاحتجاز، المواصلات، عمليات الترجمة، و الخدمات الصحية. ويمكن عد هذا التقرير الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الصور، مادة غنية توثق الآليات التي تعاملت من خلالها السلطات الهنغارية مع اللاجئين.
 

لم يمر وقت طويل حتى تحول منع دخول اللاجئين إلى هنغاريا آنذاك إلى مسألة استعراضية

عندما وصلت إلى العاصمة الهنغارية بودابست في سبتمبر/أيلول العام الماضي، كانت أزمة اللجوء في أوجها على الحدود الهنغارية – الصربية وفي محطة قطار كيليتي ومحيطها. كما نقلت وسائل الإعلام آنذاك، عجت المحطة ومحطة المترو والمناطق المحيطة بها باللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وغيرها من الأقطار المجاورة للإقليم. ولمع آنذاك أسم فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري المنتمي لحزب فيدس، في وسائل الإعلام بفضل تصريحاته والقرارات التي أتخذتها حكومته بهدف منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا. استمرت منذ ذلك الحين نغمة تصريحات الحكومة الهنغارية وازدادت وتيرة الإجراءات المتخذة لتشديد الرقابة على الحدود مع دول البلقان. لم يمر وقت طويل حتى تحول منع دخول اللاجئين إلى هنغاريا آنذاك إلى مسألة استعراضية. قام عمدة قرية اسوتهالوم المتاخمة لصربيا في سبتمبر/أيلول العام الماضي بنشر فيديو شهير يحذر اللاجئين فيه من العبور من خلال قريته بشكل خاص مستعرضاً فيه جهوزية قوات حرس الحدود وقوات شرطته. ولكن كانت الدعاية المنظمة ضد اللاجئين مستمرة على قدم وساق منذ قبل ذلك الحين.
 

وسط الزخم الإعلامي الذي ركز بصورة شبه حصرية على مواقف الحكومة الهنغارية من عبور اللاجئين (العرب وبشكل أخص المسلمين) إلى أوروبا، فضلاً عن استضافتهم، لم يحظى النشطاء الهنغاريون والأوروبيون عموماً بالكثير من الانتباه الإعلامي. بعد وصولي إلى بودابست بفترة قصيرة، وأثناء تجولي في محيط محطة القطار الذي كان يعج باللاجئين، تعرفت على مجموعة ميجسول. تتكون هذه المجموعة التطوعية الصغيرة من عدداً من النشطاء الذين لجئوا إلى هنغاريا سابقاً ومن نشطاء هنغاريين وأوروبيين. وما يميز هذه المجموعة هو أنها لا تعمل وفق تراتبية تنظيمية (هرمية)، بل وفق آلية أفقية تعتمد على التوافق بين المشاركين. ولا تعبر هذه الطريقة عن آلية إدارية ناجحة بقدر ما تعكس الرؤية الإجتماعية للمجموعة التي تبني على أساسها موقفها من اللجوء الإنساني.
 

اتاحت جامعة وسط أوروبا ببودابست لطلابها الراغبين في التطوع في نشاطات لدعم اللاجئين بالمحطة بتنظيم مجموعات. بل وبدأت الجامعة بفتح أبواب برامجها الدراسية للاجئين المسجلين في المجر

كثفت المجموعة من تنظيمها للنشاطات التي تهدف إلى تعريف المواطنين الهنغاريين بأزمة اللجوء في العديد من المدن منذ تفاقم الأزمة. وترتكز العديد من نشاطات المجموعة الميدانية على التظاهرات السريعة (flash mob) التي تنظمها في المناطق الرئيسية بالمدن للفت أنتباه المواطنين إلى قضايا اللاجئين. ولا تعكس ميجسول وغيرها من المجموعات عن أفرادها فقط بل عن شرائح من الأجيال الشابة التي تحتج على الضبط الإجتماعي وآلياته في المجتمعات الأوروبية. بتعبير آخر، لا يتوقف الاحتجاج على مسألة اللاجئين فقط بل يمتد إلى التصورات الإجتماعية المحافظة التي ساهمت في إنتاج أزمة اللجوء الإنساني في أوروبا وخاصة في شرقها.
 

إلى جانب ميجسول وغيرها المجموعات الحقوقية الأخرى التي تنخرط في قضايا اللاجئين، كانت هناك مؤسسات كبرى حاضرة في المشهد. في وسط أزمة اللاجئين في محطة قطار كيليتي، اتاحت جامعة وسط أوروبا ببودابست لطلابها الراغبين في التطوع في نشاطات لدعم اللاجئين بالمحطة بتنظيم مجموعات. بل وبدأت الجامعة بفتح أبواب برامجها الدراسية للاجئين المسجلين في المجر الراغبين في حضور الدورات الدراسية التي تتيحها الجامعة، وهو ما تستمر في تقديمه حتى الآن. بل وخصصت الجامعة مجموعة من المنح الدراسية للطلاب السوريين (على أساس الكفاءة). ويأتي كل ذلك ضمن رؤية الجامعة التي تهدف، ضمن أهداف أخرى، إلى محاربة التمييز العرقي. وبالقطع لا تنال نشاطات الجامعة رضاء الحكومة الهنغارية الحالية.
 

لم أنشط آنذاك كثيراً في مجالات دعم اللاجئين وليست لدي دراية كبيرة بجميع الأنشطة الداعمة للاجئين بهنغاريا ولكن أردت أن القي الضوء على ما حدث آنذاك. هناك في شرق أوروبا جيوب داعمة للاجئين القادمين من الشرق الأوسط وغيره. فإذا كانت العديد من حكومات شرق أوروبا لها مواقفها المعروفة من اللاجئين (وخاصة القادمين من منطقتنا العربية)، فإن نشاطات هذه المجموعات، التي لا تلقي نشاطاتها ترحيباً من قبل السلطات الحكومية، وربما تتعرض لضغوطاً مجتمعية، يجب أن يُسلط عليها الضوء إعلامياً لأهمية ادوارها ومبادراتها – حتى ولو على الصعيد الرمزي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.