شعار قسم مدونات

ما بين صبر أيوب وأمل يعقوب

blogs - syr
عاش الشعب السوري منذ إنطلاقة الثورة السورية أياماً عديدة كانت السمة الأبرز فيها ما قدمه هذا الشعب من تضحيات جسام وأرواح ٍكثيرة، أزهقت على يد قوات النظام أو الميليشيات التي تدافع عنه، وتضحيات أخرى تجلت بالنزوح أو ترك الديار أو الإعتقال أو التشريد.
 
يدرك أبناء الجيل الأول من الثوار أن الثورة لم تكن وليدة خطط أو اجتماعات مدروسة مسبقاً أو تحضيرات مدعومة مادياً أو فكريا، بل كانت إنطلاقتها كشرارة اشتعلت في درعا ثم أمتدت ألسنة نيرانها إلى باقي المحافظات السورية، مطالبين بالحرية والخلاص من النظام الديكتاتوري الاستبدادي الذي قمع البلاد والعباد على مدى خمسون عاماً.
 
وعلى مدى أكثر من خمس سنوات عاش الشعب السوري الثائر بل وحتى الذين يقفون على الحياد عاشوا مرحلة الأمل والصبر. كان صبرهم يعزيه الأمل، وأملهم يرافقه الصبر، وفي كل يوم يمر عليهم يقولون لعل الغد يكون أجمل. راقبوا السياسات والتغيرات الدولية والاقليمية بإهتمام كبير وكانوا أكثر الناس متابعة منذ البداية لتلك الاجتماعات التي عقدت من أجل الشعب السوري في أكثر من دولة وتحت أكثر من شعار. كانوا يراقبون الشاشات والتصريحات والمواقع أملا في أن يكون هناك قرار دولي أممي يخلصهم من هذا النظام وهذه الحالة التي وصلوا إليها. 
عايشوا الصبر بأنواعه، فتارةً يصبرون على ما يصيبهم من قضاء وقدر، ويسلمون الامر لله عزوجل، ولا يقولون إلا ما يرضي ربهم. وتارةً يصبرون وينتظرون الخلاص من الظالمين والطغاة، وتارةً يصبرون على ترك ديارهم وبيوتهم ومساكنهم. وتارةً يصبرون على ما يصيب أهلهم من موت أو مرض أو حتى فراق، وتعددت أنواع الصبر عندهم ورافقها مقابل ذلك الأمل. هذا الأمل الذي زرع في قلوبهم نتيجة الرضى بقضاء الله وقدره، ونتيجة صبرهم، فجزاهم الله بما صبروا رضاً في نفوسهم وأمل وتفاؤل، حتى أنهم تسابقوا في الأمل ولم تمنعهم الظروف والمتغيرات من الاستمرار في طريق التفاؤل والعمل على تحقيق مستقبل أفضل إن لم يكن للموجودين حالياً فهو للأجيال القادمة حتماً.
أملٌ وصبر وتفاؤل هذه هي السمة البارزة التي عايشها ولازال يعايشها الشعب السوري الثائر ليثبت لشعوب العالم أجمع أن الانسان يستطيع العيش بلا بصر ولكنه لا يستطيع العيش بلا أمل. رغم القصف والدمار والفتك والتشريد والاعتقال لازال الشعب السوري الثائر ينظر من تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها إلا أنها تفتح آفاقاً واسعة جدا للحياة الا وهي نافذة الأمل والتفاؤل.
 
العظماء هم أصحاب القلوب التي ملأها الأمل والرضا، والصبر على ما أصابهم.

يقول توماس أديسون الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء، وهل هناك أعظم من أن تشاهد شخصاً فقد يديه ولازال يرفض الخروج من أرضه وبلده ويفضل البقاء مع الثوار حتى آخر رمق! وهل هناك أعظم من أن تشاهد ذلك الأب المفجوع بأطفاله وزوجته مكفنين أمامه وهو يرثيهم بكلمات بسيطة ويودعهم ويقول لهم أنا مستمر في عملي وأنا مستمر في تقديم المزيد من التضحيات! أي تضحية أسمى وأعلى من أن يجود المرء بأهله وفلذات كبده في سبيل تحقيق النصر أو تحقيق ما يسمو إليه!

 
عندما شاهدت منظر الحاج ابو الجود من حلب وهو يودع أطفاله وزوجته تذكرت قصة خليل الله تعالى ابراهيم عليه الصلاة والسلام عندما أراد ذبح إبنه إسماعيل وكيف أن اسماعيل تقبل الأمر ورضي به وخاطب أباه قائلا يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.. تخيلت هذا الموقف العظيم وكيف أن الصبر والرضا بقضاء الله وقدره جعل أعظم التضحيات ألا وهي التضحية بالنفس والروح تهون وتصغر أمام مرضاة الخالق عزوجل. تخيلت موقف ذلك الأب الصابر الذي كان يوثق الدمار سابقا ثم ها هو اليوم يوثق وداع فلذات كبده بيده.
 
هل أخبرك عن الاشخاص العظماء يا أديسون؟ إنهم أصحاب القلوب التي ملأها الامل والرضا والصبر على ما أصابهم.. إنهم أصحاب القبول بما يصيب القلوب. أمل يعقوب وصبر أيوب عايشه السوريون بكل لحظاته وبمختلف مآلاته ولازالوا يعايشونه أملاً بالخلاص والعودة الى حياتهم التي يطمحون ويرجون الأمل وحده يزرع السعادة في قلوبنا ،فطالما هناك غد اذن لابد من وجود الأمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.