تلك الأداة التي أصبحت تشرف من يمسها. أداة الكرامة والعزة. رمزنا الجديد. إلى أين؟ هل حقاً تكفي السكين لتحرير الوطن؟ أم أن أعلى ما ستصله هذه الأداة المباركة هو مفاوضات جديدة على نفس الطاولة؟
| ثورة الجسد لا تغني عن ثورة العقل. لن يستطيع السكين أن يعلم الجهال القراءة والكتابة. لن يستطيع السكين أن يهب الإنسان وعياً وحكمة. |
لنعد قليلاً لتجربة الربيع العربي مع الحرية بعد احتلال ديكتاتوري دام أربعين سنة سوداء. نزل الشعب إلى الشوارع، انتفضت الأجساد، تحقق المستحيل، وحصل ما أراد الجميع. لكن، كيف استطاع الظلم استعادة السيطرة بعد أقل من عامين؟ الجواب أن الشعب عندما انتفض، انتفض جسداً لا فكراً.
لم يدركوا أن مصيبتهم كانت أعظم من رئيس. وبعد سقوطه سقطت الواجهات. لينكشف بعدها العدو الحقيقي. الخبز لا يزال يحتوي على مسامير من سوء نظافة الخباز. ما زال سائق التاكسي النصاب الذي انتفض مع الشعب البارحة، ينصب على راكبه اليوم بلا تغير. ما زال الطفل ذو الثالثة، يسرق "الشيبس" من الدكان. وأبوه الجاهل يضحك، لا يدري أن من يسرق "الشيبس" اليوم، سيسرق شعباً غداً.
ماذا يحدث بعد أول يوم تحرير فلسطين؟ ستهدأ الأجساد أولاً، ستقل نسبة الأدرنالين في الدم. ليظهر ببطئ العدو الحقيقي أمام المرآة. حقيقة أنها كانت ثورة جسد لا فكر. ربما ستبدأ حرب أهلية. من أحق بالحكم؟ عائلة فلان خونة، كانوا يشتغلون مع اليهود. عائلة فلان غزاوية، أحق بالحكم من الباقي. ينظر الإسرائيلي الخاسر من على الأرض. يبتسم من بين دمائه ماكراً.
ثورة الجسد لا تغني عن ثورة العقل. لن يستطيع السكين أن يعلم الجهال القراءة والكتابة. لن يستطيع السكين أن يهب الإنسان وعياً وحكمة. أن يعيد للمرأة وزنها الحقيقي في بلادها. سيقفز أحدهم: "معلم خلينا نخلص من اليهودي أول بعدين منسولف". يا بني، اطفي السيجارة أول. لن تحرر فلسطين، وأنت عاجز أن تتحرر من عشبة! كيف لمن لم يستطع أن يحرر عقله، أن يحرر وطنه؟ كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
كثيراً ما أرى "شو منقدر نعمل لفلسطين؟ أحمل سكينة؟" لا يا سيدي واجبك أعظم من هذا بكثير. بالمعطيات الحالية، حتى لو تحقق النصر. سيعود العدو بعدها سريعاً وبقوة. بدعم الدولة العربية قبل الغربية. يا سيدي، واجبك الحفاظ على فلسطين بعد أن تتحرر. انظر إلى المرآة وانتصر في هذه الحرب التي أمامك.
| إذا جعلت ربك هو الهدف في كل شيء، لم تخف أحداً، لم تنافق لأحد، تفعل الحق ولو لم يرضَ أحد. وقتها وفقط وقتها، ستصبح ثورتنا ثورة عقل لا انتفاض جسد. |
ماذا سيحدث في أول يوم بعد تحرير فلسطين؟ ستمسك يدي بقوة، أتعكز بجسدي العجوز على كتفك. ببطئ، تدوس قدماي شواطئ يافا لأول مرة. أكاد أسقط، فتمسكني بجسدك المفتول.
يلامس جبيني الرمل الطاهر.
"وما لأحد عنده من نعمة تجزى"
أغمض عيناي. لا أريد من هذه الدنيا شيئاً.
"إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى"
فهجرتنا إلى الله، منك و إليك يا وطن العزة، نسندك بأيدينا في الداخل، نسندك بعقولنا في الخارج. كل مقاوم على أرضك أو غيرها يقاتل، لا يقبل إلا بوعد ربه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.