شعار قسم مدونات

لم يأتِ أبي

blogs- wa
 حنينٌ إليك يترك للّهفة متسعَ احتياجٍ.. في كل لحظة خوف أستيقظ واسمك يتردد بلساني تعويذةً تحميني، مازلتُ وليدة غيابك. تحرمني الحياة من قربك، لا أفهم حقدها، بل ألعن حظوظًا لم تنجبك بقربي شاطئ أمان. حرمتني الأقدار منك، أتلفت بحثًا عنك، أمسك بيد أمي، بثوبها، بظلها، أصلي لبقائها خائفةً من غيابٍ آخر، أدفع ثمنه شبابي. ضاعت طفولتي بين أزقة الأحياء أبحث عنك، ستأتي، ستجلب لي دمية، ستُنسيني فرحتي مرارة البعد.. لم تأتِ.. ستجلب الحلوى وأتقاسمها مع إخوتي، سأقبلك وأحتضنك لأكون بخير.. لم تأتِ
أبي لقد ضربتُ صديقتي، قالت بأنك قد رحلت للسماء ولن تأتِ، عاتبتني أمها، فعدت للمنزل أبكي وأنتظرك.. لكنك لم تأتِ.. كبرت واعتذرت من صديقتي فلم تأتِ! كبرت وعلى عتبة المنزل رسمت ظلك، أراك مبتسمًا وأراني بحضنك، طفلتك المغرورة أحسدني عليك، أبتسم للوحتي التي تركت في ذاكرتي تذكارًا لانتظارك.. ولم تأتِ..
نسيت غيابك و يغافلني حضورك، كنت أهرب من أسئلة الجميع عنك أنت معي لم ترحل ترافق وحدتي وترحالي، أنا المنفية منذ عمر رحلتَ به تاركًا لي إرثًا من الأوراق وخط قلمك أقرأ به طفلتي فأقبِّل تلك الورقة، أحتضنها وأصلي لك. ربما حان الوقت لأكتب لك رسالتي، فقد بعثرت مخيلتي لأعثر على دربٍ لا يمر بك وبمخاوفي في غيابك. أنا هنا على بداية السطر أسرق مفردة ترثي احتياجي. ماعاد لأعراش لمساتك حس.. وفي حنايا غيابك مازلتُ أتسول الحكايا كما الأطفال، مازلت أسترق النظر لبيت الجيران بعيني دهشة، لهفة لأيامٍ ما عشتها. أمر بذكرياتي، تهب على محياي رائحتك.. أسرق من طيفها جرعاتٍ تخفي دمعي، أمررها على قلبي لأحتفظ بك وأكون بخير. 

كبرت وعلى عتبة المنزل رسمت ظلك، أراك مبتسمًا وأراني بحضنك، أبتسم للوحتي التي تركت في ذاكرتي تذكاراً لانتظارك، ولكنك لم تأتِ..

مازلت على قافية الكلام يخونني الحديث عنك، كيف أرثي غيابك؟ وأنت حاضر في مراتع الخيال أناجيك في كل لحظة ضعف. أبي مرَّ وقتٌ طويل وخلت السنين منك. تسقيني مر احتياجك، أبكي حوارًا معك يبدأ بابنتي، أبي في هذه الحياة أدفع ثمن غيابك حاجةً ووجعًا، أمر على مشاهد الغد أخبر نفسي عنك.. ستكونين بخير.. أنظر للسماء فتمطر دون أن تأبه للفصول، كم أنت خير! أبتسم لتلك النجمة التي ترافق خطواتي، أفرح.. فأنت هنا لم تفارق محطات عمري، ولكنني أصارع غضب احتياجي لسندك، للخلود بين راحتيك، فأنا الطفلة التي تركتها في المنزل تنتظر عودتك، لم تكبر!


أقف على عتبة الدار وأنت بين العابرين سراب ماعدتَ تعبر! أدخل في ليلي رغمًا لأعود صباحًا أتكئُ على الجدار، يأتي والد صديقتي وجارنا، وأنت لم تأتِ! عبر الجميع حينا و أنت لم تعبر! تركتَ لي اليتم صفةً، والدمع حياةً، والحنين دينًا، ورحلتَ وحدك..
 
أعتذر أبي.. قصصت ضفائر الانتظار وحملت غيابك حقيبةً، صعدت قطار النسيان، نسيت غيابك! أعتذر أبي.. فأنا ذات يوم أخبرت أمي بأنني أكرهك لأنك قد رحلت بلا وداع.. حاجتي لحضنك، لهداياك، ولحنانك سرقت مني براءتي، دفعت ثمن غربتك أنوثتي بيني وبيني كي لا تراني، ويكبلك احتياجك فلستَ بقادرٍ على القرب مني، كنتَ جلَّ همي وأصبحت كلَّه، أريد أن تفخر بي وتتمنى الرجوع لاحتضاني..

أبي.. كيف أرثي غيابك وأنت حاضر في مراتع الخيال أناجيك في كل لحظة ضعف؟

كبرت كما تمنيت لي وعثرت على مستقبلٍ يرسم على شفتيك ابتسامة فخر، نعم أبي.. كل ما فعلته في عمري لأجلك.. أبدًا لم أكرهك! أنا فقط كنت مكبلةً بطفولةٍ عنيدة ترفض رحيلك واشتياقٍ يكبر معي لك، مكبلةٌ بضعفٍ يعصف بي، فأردد أينك؟ ولكنني مع كل يومٍ يمر طيف ابتسامتك في طفولتي.. أشعر بأنني على درب نجاح.

أبي.. اعذر حماقاتي، فلطالما شاركتني لهفة عمر قضيته على درب انتظارك، أحبك بحجم الأوجاع والحنين، أحبك وأنتظر لقاءً بك قريب ينفض عني كل تعب.. 
حبيب العمر.. ارقد بسلام
ابنتك

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.