شعار قسم مدونات

القِيم والهبوط التاريخي في المجتمع العربي

blogs - egypt

الأخلاقُ والمبادئ والقِيَم.. كلّها مفاهيم وشِعارات لم تعُد تحمِل معنًا، بل وأصبحت مُفرغةً من مضامينها الحقيقيّة في ظلّ مجتمع متحرج نحو هاوية السّقوط الأخلاقيّ وأنظمة تعليميّة جديدة تستجيب لقانون العرضِ والطّلب.
 

كذلك تعدّت المجتمعات العربيّة كلّ خطوطها الحمراء منذ ستّة عقود، وأهملت كلّ استراتيجيّة متعلّقة بالاجتهاد في ترسيخ القيمة من حيثُ أنها سبيل التّخطيط والبناء، وحافضت على سياسة اقتناء الحرف وتكديس المفاهيم من حيث الكمّ لا النّوع.
 

وكذلك يجني المجتمع العربي عائدات إهمال القيمة والاختصار على العناوين العريضة والشّعارات الفضفاضة التّي صدّرت على مرّ العقود عقولاً لا علاقة لها بمنهجيّة التّحليل ولا التّخطيط ولا الفهم ولا الاستنتاج، بل أكثر من ذلك صنعت عجزًا واضحا في تلقّي الإشارات وبناء المفاهيم ورسم الاستراتيجيّات..
 

لم تقدّم مبادرات الإصلاح التّربوي أيُّ تغيير منهجي على مستوع التّربية أوالتّعليم، لأنها أطروحات بُنيَت على مناهج تُكبّل الفرد وتجعلُه مُجرّد ماكينة تستجيبُ لثُنائيّة العرض والطّلب

ستة عقود تعدّت من الادّعاء الكاذب بالدفاع عن السيادة الوطنية عبر التّعدي على مدخلها الظافروالوحيد، وهو السّيادة الشعبية، لأن الأنظمة القمعيّة التي مارست الاستبداد القيمي على شعوبهم هم المفرّطون في سيادة أوطانهم، مهما ثرثروا واغتصبوا أنبل المعاني وادّعوا الفضيلةَ في ترسيخ الأخلاق الوطنيّة.
 

مناهجُ مدروسة ومقصودة تفصلُ العقل عن الفهم وتُجرّدَ الفرد المُواطني من كلّ نَفَس تحليلي، مناهجُ تربويّة تُقدّم حلولاً في ظاهرها، وفي حقيقة الأمر هيّ أساليب تدفع العقل للاستغناء عن السّؤال والاجتهاد في بناء الحلول، مناهج تُكبّل الفرد أوّلاً وآخرًا وتجعلُه مُجرّد ماكينة تستجيبُ لثُنائيّة العرض والطّلب.
 

لذلك تفتقد مشاريعُ الإصلاح للإصلاح، ولذلك لم تقدّم مبادرات الإصلاح التّربوي أوالتّعليمي الكثيرة أيُّ تغيير منهجي على مستوع التّربية أوالتّعليم أوالوعي الجماعي، لأنها أطروحات بُنيَت على نفس القاعدة السّابقة التّي تُأجّل كلّ شيء متعلّق بالفهم والتّحليل والاستنتاج.
 

كذلك بُنيَ الصّراع القيمي منذ بداية تجربة "الإصلاح" في غيبة رافعة سياسية حاملة لـمشروع وطني شعبي، قيمي اجتماعي وتنويري ذي أفق وحدوي مواطني ومنذ صناعة "النّخب" الذين يتمّ تقديمهم في كل المنابر العمومية المختطفة، على أساس أنهم أكاديميون خبراء في الإرهاب والإسلام والقيم والأخلاق، هم في الأصل مجنّدون مأجورون لدى بوليس التعليمات والأجندات.
 

أكاديميون لا يطرحون أبدًا على أنفسهم دور الأكاديميّون، ونخبة لا علاقة لهم بالنّخبة من حيثُ دور النّخبة في كلّ الحركات التّنويريّة التّارخيّة، كذلك انشغل هؤلاء بمسألة التّقسيم الأيديولوجي عن المعادلة الحقيقيّة التي تأكّد أن التعليم خيارًا سياديا في كل مجتمع عربي كأن أسيرٌ في قبضة دولة طبقية، مكلّفة بـتأبيد الإذلال الوطني والاجتماعي، ولا زال كذلك مادام لم يستجب بعد إلى الأطروحة الإصلاحيّة الحقيقيّة التي تقطع مع البرنامج التّهديمي وتُحيي المبادرات الإصلاحيّة التّي أساسُها العقلُ البشري ونتاجُها التطوّرُ المُجتمعي .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.