شعار قسم مدونات

كيف تُصنع حمى رهاب اللاجئين!

blogs - syria
19 نوفمبر 2015، أحد الإرهابيين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ترك سوريا ووصل إلى السويد عبر ألمانيا، مؤتمر صحفي مسائي لقادة جهاز المخابرات السويدي "سابو" عُقد في العاصمة ستوكهولم لإعلان رفع مؤشر التهديد الذي تتعرض له البلاد إلى المستوى الرابع على مقياس من خمس درجات، مما يوحي بأن لدى الجهاز معلومات مؤكدة عن أن تنفيذ عمليات إرهابية مشابهة لما حصل في العاصمة الفرنسية باريس بات وشيكاً.

فاجأ المؤتمر وسائل الإعلام السويدية من ناحية فحوى الإعلان ومن ناحية ساعة إنعقاده التي أتت على غير العادة في المساء خارج أوقات الدوام الرسمي مما يوحى حقاً بأن التهديد جدي وخطير، تغطية تلفزيونية مستمرة على أهم المحطات، مئات المقالات المكتوبة إلكترونياً وورقياً، وعدّة آلاف من التغريدات على مواقع التواصل الإجتماعي شغلت السكان هنا طيلة تلك الليلة. المعلومات ليست واضحة تماماً، الرئيس تحدث فقط عن إرهابي وصل حديثاً ولم يشر إلى بلده الأم ولا إذا كان ذاك المطلوب حاصلاً على الجنسية السويدية أم مهاجراً جلبته موجات المهاجرين الأخيرة ليعكر صفو حياة المملكة الآمنة.

لحية وملامح شرقية باتت كافية لأن تتلقى اعتذاراً عن دخول أحد المطاعم مساءً، أو لتترك عدداً فارغاً من الكراسي حولك في وسائل المواصلات العامة.

في الصباح ومع امتداد موجة التغطية الإعلامية لتشمل كافة وسائل الإعلام في البلاد بدأت المعلومات تتسارع، صورة للمطلوب ظهرت، مجرد صورة منخفضة الدقة لرجل يبتسم وينظر نحو الأعلى، إسم ثلاثي بعدها بساعات وأخبار عن عمليات مداهمة في أماكن متفرقة ترافق بإنتشار غير مسبوق لرجال الشرطة، في المساء كان خبر إلقاء القبض على المطلوب يتصدر وسائل الإعلام، مواقع التواصل الإجتماعي وأحاديث الناس في المطاعم والمقاهي وأماكن السهر التي شددت بدورها إجراءاتها الأمنية من ناحية أعداد المتواجدين داخلها وأشكالهم طيلة عدة أيام تلت حمى أخبار ذاك الإرهابي الملاحق، والذي قُبض عليه بعملية خاطفة نفذتها الشرطة السرية في أحد مراكز للاجئين شمال السويد.

اللاجئ غير المشتبه به..

العملية السريعة تصدرت عناوين الصحف في الصباح التالي، التركيز على انه كان متواجداً في مركز لجوء قارَب أهمية خبر إلقاء القبض على الإرهابي أيضاً، حالة إرتياح عامة أرخت بظلالها على البلاد دون أن تخفف خوف الناس هنا من المهاجرين، فلحية وبسيطة ووجه أسمر وملامح شرق أوسطية باتت كافية لتتلقى إعتذاراً عن دخول أحد المطاعم مساءً، أو لتترك عدداً فارغاً من الكراسي حولك في وسائل المواصلات العامة، فالخوف هنا يبرره استمرار الضخ الإعلامي بإتجاه أن الإرهابي الملاحق كان مرتبطاً بشبكة تخطط لتنفيذ هجمات إرهابية، وأن الأجهزة المختصة ما زالت تلاحق خيوط شبكته اتصالاته وتحركاته. 
بعدها بيومين، خبر صغير من أربعين كلمة فقط مرّ سريعاً على واجهة موقع التلفزيون السويدي الرسمي قبل أن يؤرشف في أحد أقسامه الإعتيادية ليشير إلى أن الإرهابي الملاحق أصبح حرّاً وبأنه لم يعد مشتبهاً به بتنفيذ جرائم إرهابية، لم يأخذ الخبر ضجته ولم يطلق وسوماً على مواقع التواصل، حتى أن الكثير ممن كانوا يناقشون تبعاته في الأيام السابقة لم ينتبهوا له صباحاً، فيما بقي مستوى التهديد المتوقع من “اللاجئين” مشيراً إلى المستوى الرابع. فيما بعد حاول المشتبه به رفع دعوى بسبب تشويه السمعة الذي تعرض له مطالباً بمبلغ مليون كرون سويدي “117 ألف دولار أمريكي” كتعويض لكن النائب العام اكتفى بمنحه مبلغ 12 ألف كرون “1400 دولار أمريكي” فقط.

جواز سفر سوري مزوّر..
حمى الإرهابي اللاجئ لم تكن سابقة في أوروبا خلال الفترة الأخيرة، جواز سفر سوري وجد في موقع أحد التفجيرات التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس تصدر أخبار وسائل الإعلام العالمية وأثار حمى الخوف من اللاجئين أيضاً، دعوات لطردهم من فرنسا أو للتوقف عن استقبالهم ملأت الدنيا بعدها، إثني عشر ولاية أمريكية رفضت خطة أوباما لإستقبال المزيد منهم وحملات لجمع التواقيع في كندا بريطانيا وبلجيكا لإيقافهم. خبر الجواز المزوّر في اليوم التالي مرَّ مقتضباً وعابراً أيضاً، والمعلومات عن احتمالية وضعه عمداً في مكان التفجير وعن أنه مصنع في تركيا وعن سهولة امتلاك وثائق سورية كاملة بمبلغ لا يتجاوز الألف دولار لم تخفف من حمى هياج الخوف لدى الأوروبيين، ولم تحتل موقعاً منافساً لحملة الأخبار التي تحمل اللاجئين المسؤولية حتى، فقط دعوات الخوف و الحذر بقيت مسيطرة.

النظام السوري أعلن أنه مستعد لتبادل المعلومات حول منفذي الهجمات مع الحكومة الفرنسية، بشرط توقف فرنسا عن دعم الجهات التي تزعزع استقرار سوريا. 

أيدي النظام السوري..
مراراً ومنذ شهور تحدث النظام السوري عن آلاف الأرهابيين الذين تسللوا إلى أوروبا على صورة لاجئين، في إشارة إلى أن دعم أوروبا لمطالب الشعب السوري ومساعدة الهاربين منهم سينعكس على أمنها واستقرارها سريعاً.

ماكينته الاعلامية عملت أيضاً ولسنوات على ضخ الكثير من الأخبار في أوروبا عن أرهابيين وصلوا أو يكادوا، وغطّت مراراً التحركات والمظاهرات الداعية لعدم استقبال اللاجئين والتي حمل بعضها صورة رأس النظام السوري بشار الأسد إلى جانب اللافتتات العنصرية المعادية للاجئين.

النظام السوري أعلن مؤخراً أنه مستعد لتبادل المعلومات حول منفذي الهجمات والهجمات المحتملة القادمة مع الحكومة الفرنسية بشرط توقف فرنسا عن دعم الجهات التي تزعزع استقرار سوريا بحسب تعبيره وفي إشاره واضحة منه على أن المنفذين جاؤوا فقط من سورياً مؤكداً روايته عن تسللهم ضمن آلاف المهاجرين وأنه وحده القادر على إيقاف تهديداتهم المستقبلية ربّما، أيضاً حالة الإستنفار الأخيرة في السويد كانت مبنية على معلومات تلقتها الأجهزة السويدية من نظيرتها العراقية المتحالفة مع النظام السوري.

المستفيد الوحيد.. 
ما بات واضحاً حتى الآن هو أن نظام الأسد لم ولن يتوقف عن تسويق الخطر القادم من الشرق على شكل لاجئين، وتخيير أوروبا بين بقائه وبين تهديد بينيتهم المجتمعية، بينه وبين استمرار الإرهاب في زيارتهم، مستخدماً كل وسائله وحلفائه، العمليات الإرهابية الأخيرة وربّما القادمة وفوبيا اللاجئين التي غذاها وساهم في تسارعها الكبير ستدفع بنظره قادة أوروبا للقبول بعقد صفقة معه ضمن الشروط الروسية، وتحويل المأساة السورية إلى حرب واحدة ضد الشعب المنادي بالحرية بحجة الإرهاب الذي ساهم هو في البداية بصناعته هادفاً إلى إخافة العالم من فكرة رحيله، هذه المراهنة الواضحة تجعل من نظام الأسد حتى الآن المستفيد الوحيد من الهجمات الأخيرة وأزمة رُهاب اللاجئين الناتجة عنها، والرابح الأكبر من تغذيتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.