شعار قسم مدونات

شذرات من ذكرى "وطننا"

blogs - press
بعد يومين من "إطفاء" السلطات الجزائرية شمعة قناة "الوطن الجزائرية" الخاصة بإغلاقها عنوةً في أكتوبر من العام الماضي، قررت أنا وزملائي في القناة من صحفيين وتقنيين وإداريين، أن نتوجّه نحو مقرّ البرلمان الجزائري محتجّين على غلق قناتنا وتكميم أفواهنا، منتصرين لحرية التعبير في هذا البلد الذي لم يجفّ ترابه بعد من دماء شهدائه الزكيّة، التي تشرّبها في حرب الاستقلال وعشرية الدّم السوداء.

البرلمان أو المجلس الشعبي الوطني كما يُسمى عندنا في الجزائر؛ صرْح يُفترض أنه وُجد لتمثيل الشّعب الجزائري الذي ننتمي إليه بكل فخر وإباء، ولهذا السبب اخترناه دون غيره من مؤسسات الدّولة الأخرى رغم الاتهامات التي تلاحقه بكونه مجرّد أداة في يد السلطة التنفيذية، لنحتجّ على قرارٍ تعسفيّ أذن باغتيال حلم، وتصفية مؤسسة إعلامية، لأنها استضافت في أحد برامجها الحوارية مدني مزراق، قائد ميليشيا "الجيش الاسلامي للإنقاذ" سابقا، التي كانت تقاتل ضدّ الجيش في تسعينات القرن الماضي، لكنه أضحى "شخصية وطنية" استُقبلت لدى ديوان الرئاسة وأُستشيرت في مسودّة الدّستور الحالي (2016).

بدأت المواجهة بيننا معشر المحتجّين وعناصر الشّرطة، وبدأت حناجرنا تصدح بشعارات نابعة من إحساسنا بالقهر، فيما كان الطّرف الآخر يستعدّ لإخراج هراواته السّوداء.

لا علينا! نزلنا نحو الجزائر الوسطى (قلب العاصمة) حيث يقع مقرّ البرلمان الجزائري متفرّقين، حتى لا نثير انتباه السلطات التي تكثف من تواجدها أمام المقرات الحكومية في وسط العاصمة.

وصلنا إلى المكان المتّفق عليه وبدأنا بالتّجمع هناك، لم يكن يتضامن معنا الكثير من زملاء المهنة، إلا قلة من الصحفيين "المتمرّدين" أو بعض الناشطين السياسيين، فحتّى الصحفيين الذين أُرسلوا لتغطية الوقفة الاحتجاجية منعوا من قبل عناصر الشّرطة الذين بدؤوا يلاحظون تجّمعنا بجانب مقرّ البرلمان، حتّى لا يصل صوتنا أبعدَ من الرّقعة الضيقة التي تواجدنا بها للاحتجاج.

بدأت المواجهة بيننا معشر المحتجّين وعناصر الشّرطة، وبدأت حناجرنا تصدح بشعارات نابعة من إحساسنا بالقهر، من قبيل "جزائر حرّة ديمقراطية" و"الوطن (القناة) حرّة ديمقراطية"؛ الشّعارين اللذين تجنّدنا بهما، فيما كان الطّرف الآخر يستعدّ لإخراج هراواته السّوداء.

إنّ مثل هذه الشّعارات تُزعج حتما رجال الأمن الذين يسمعونها في السّنة مئات المرّات خلال مختلف الاحتجاجات، ويضطّرون مرغمين للتعامل معها وكتمها بالقوّة في كثير من الأحيان، وهذا ما حصل مع وقفتنا، فلم تمض ثلاث دقائق على الأكثر، حتى بدأت حالات الاعتقال، وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي محاطاً بثلاثة من الرجال الشرطة يحملوني رأسا عن عقب بعد أن أسقطوني أرضا، استمرّ تعنيفي من قبلهم إلى أن أدخلوني الشاحنة وألحقوني بمن سبقني من الزملاء المعتقلين.

وجدنا أنفسنا في أحد مخافر الشّرطة، هناك تغيّر كلّ شيء، تغيرت لهجة العنف وتحولت إلى معاملة بالحسنى، لم أفهم ما الذي يحصل ! المهمّ استقبلنا المسؤول عن المخفر ووجّه إلينا بعض الأسئلة ثمّ أُطلقَ سراحنا بعد ثمانِ ساعاتٍ من الاعتقال، عدنا بعدها إلى بيوتنا وألم الخذلان يعتصرنا.

المناضل الحقيقي في مجال الحريات خاصة لا يُعد مناضلاً إلا إذا استوفى جميع الأساليب.

لقد أحسست وزملائي بالخذلان مرّتين، كانت الأولى عندما عمدت وسائل الاعلام المحلية وصحفيوها إلى التعتيم على قضية غلق قناة تلفزيونية فقط لأنّ السلطات لم يُعجبها الخطّ الافتتاحي لهذه القناة. لقد كان سكوتها (وسائل الإعلام) بمثابة العار الذي لن يمحوه التاريخ أبداً.

وقد أثبتت الأيام أنّ لدى السلطات شراهة ونهم عظيمين في الإتيان على كل ما يُبدي خلافا معها، وراحت تتحرّش بعد "الوطن الجزائرية" بقنوات أخرى، وقد تظل قائمة وسائل الاعلام المهددة بالإغلاق بسبب توجهاتها مفتوحة طالما لا يعرف المشتغلون في هذا الميدان أن الحرية أولى من أي ولاء. وخُذلنا ثانية لأنه لم تكن بيئة تدوينية جزائرية لتدافع عن قضيّتنا بعدما أوصدت جميع الأبواب في أوجهنا.

إنّ المناضل الحقيقي في مجال الحريات خاصّةً، لا يعدّ مناضلا إلا إذا استوفى جميع الأساليب، فإذا كان "التدوين" أسلوب من أساليب النضال السلمي، فدعمه وتطوير آلياته يفتح آفاقا جمة للمستضعفين في أن يعبروا عن قوّتهم في هذه الفضاءات كما في الشّوارع سواءً بسواء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.