شعار قسم مدونات

زمن الرداءة السياسية في الجزائر

blogs - par
"الرداءة السياسية في الجزائر هي عبارة عن مولود ناتج عن تزاوج بين السلطة الحاكمة والمعارضة الحزبية داخل ما يسمى "بالعملية السياسية الرسمية" المزيّفة، رداءة أدّت إلى بروز أزمات متعددة تشهدها الجزائر اليوم، لعـلّ أخطرها الأزمة المالية الحالية التي ربما ستؤدي إلى تكرار سيناريو أحداث أكتوبر 1988م من القرن الماضي."
لا يكاد يمرّ يوم لا أشعر فيه بالاشمئزاز من السلوكات السياسية الفاشلة داخل الجزائر، سواء من السلطة الحاكمة بموالاتها أو من المعارضة الحزبية، فلا الأولى نجحت في بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية، ولا الثانية نجحت في تقديم نقد بناء للأوليغارشية المسيطرة على مقدرات الدولة الجزائرية يساهم في تغيير حقيقي، فكلاهما يمثلان ما يسمى بـ "الطبقة السياسية الرسمية" في البلد، وهما من يتنافسان على العملية السياسية بالرغم من أنها محسومة مسبقا لصالح من هم في السلطة ممّا جعلها مزيفة، ولا نعرف لماذا دائما تصّر أحزاب المعارضة بالمشاركة فيها. يحدث هذا في ظل مقاطعة شعبية كبيرة لمختلف الاستحقاقات الانتخابية. أمّا الشعب فهو بين صنفين، صنف يمثل الأغلبية المُطلقة طلّق السياسة منذ زمن بعيد، يرى في الطبقة السياسية الحاكمة مجرد طبقة "فاسدة" سيطرت على البلد بطرقها المعتادة كالتزوير مثلا، وصنف يمثل أقلية بسيطة يساند السلطة الفاشلة، فهو يرى فيها ذاك النموذج الناجح الذي بنا دولة قوّية وفق رأيهم.
 

مجلس النواب وجودهم لا يغني ولا يسمن من جوع، فهم مجرد غطاء تستغله الفئة الحاكمة لتمرير مشاريعها مثل تمرير قانون المالية الأخير

لعلّ السبب الرئيس الذي جعل الشعب الجزائري يقاطع العملية السياسية نهائيا هو في الكيفية التي تتعامل بها الطبقة السياسية مع المواطنين سواء كانت في السلطة أو المعارضة والمتمثلة في الخطابات المزيّفة والوعود الكاذبة، والتي أدّت في النهاية إلى واقع مرير يعيشه المواطن الجزائري اليوم. هناك فساد منتشر على كل المستويات، وبطالة رهيبة، ودخل فردي ضعيف لمن لهم وظيفة، فلا يتجاوز الراتب الشهري لمعظم الموظفين 300 أورو شهريا، فهذا يقلل من كرامة المواطن الجزائري كإنسان، أمّا الذين ليس لهم وظيفة فلا دخل لهم ومنهم عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد، إضافة إلى البنية التحتية الرديئة فلا تهيئة عمرانية جيّدة ولا تنمية مستدامة حقيقية، ولا مستشفيات مُحترمة ومُتطوّرة يعالج فيها الجزائري بكل أريحية، والدليل على ذلك هو هجرة الكثير من المرضى الجزائريين للعلاج في مستشفيات دول أخرى، أليس بمقدور دولة مثل الجزائر التي عاشت بحبوحة مالية كبيرة بناء مستشفيات من الطراز العالي؟

هناك من الجزائريين يعانون من أبسط الأمراض منهم من يموتون بسبب عدم اللامبالات داخل المستشفيات أو الإسطبلات كما يحلوا لبعض المواطنين تسميتها، نحن نرى كل يوم نداءات المرضى على قنواتهم التلفزيونية "الخاصة"، ولا تتكفل بهم الدولة إلا قليلا، فهم لا يريدون سماع وصف حقيقة الواقع المؤسف الذي يعيشه المواطن الجزائري، واقع مؤلم مليء بالبؤس والشقاء، لأنّهم ينزعجون من ذلك.
الواقع الذي تعيشه الجزائر اليوم من تخلّف اقتصادي واجتماعي مردّه إلى رداءة النخبة السياسية المزيّفة الحاكمة في البلد، كل مشاكل البلد سببها السلوكات السياسية الفاشلة لهذه النخبة والمّتكررة منذ عشرات السنين بلا حسيب و لا رقيب.

إنّ المتتبع للشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي للجزائر اليوم وبناءا على المعطيات السلبية التي لا تكاد تنتهي، سيحكم على البلد مباشرة بالانهيار، والتوجّه نحو طريق مسدود بدون مخرج، والدليل على ذلك هو دخول البلد في أزمة مالية خانقة فرضت التقشف من طرف صانعي ومتخذي القرار في الدولة، على الجزائريين البسطاء الذين غالبيتهم يعيشون على درجة الفقر ومن دونها، ولم تفرض على المهرجانات الغنائية التي تخدّر وتلهي الشباب عن القضايا المهمة، ولا على مؤسسات أخرى لا فائدة منها كالبرلمان بغرفتيه مثلا الذي من المفروض يغلق نهائيا لأنه لا يمثل الديمقراطية الحقيقية، ولا يدافع عن الشعب مصدر كل السلطات، فهو تبذير للمال العام، فلا يستحق النواب ذاك الراتب الكبير الذي يفوق بكثير وكثير راتب المواطن البسيط، لأنّ وجودهم لا يغني ولا يسمن من جوع ، فهم مجرد غطاء تستغله الفئة الحاكمة لتمرير مشاريعها مثل تمرير قانون المالية الأخير الذي يضرّ المواطن بصفة مباشرة.

الأزمة المالية الحالية ستؤدي من دون شك إلى تكرار سيناريو أحداث أكتوبر 1988م من القرن الماضي، في حالة ما إذا انتهى ما تبقى من المال في الخزينة العمومية، والمؤشرات الحالية تجعل الأمر شبه مؤكد، لأنه ليس هناك نخبة حقيقية ذات كفاءة عالية في السلطة ستنقذ البلد من الإفلاس. من فشل في بناء اقتصاد قوي للبلد في زمن البحبوحة المالية، سيفشل حتما في إنقاذ البلد من الإفلاس والانهيار، نفس المدخلات ستؤدي إلى نفس النتائج، فما هو الحل لإنقاذ الجزائر من الانهيار الوشيك؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.