شعار قسم مدونات

حُريَّةُ التَّعتير!

Amnesty International activists hold placards outside the Malaysian embassy during a protest held to show opposition to Malaysia's Sedition Act in Bangkok, Thailand, 30 August 2016. A small group of Amnesty International activists gathered at the Malaysian embassy to express their support for Malaysian activists detained under the Sedition Act. The Director of Amnesty International Thailand, Piyanut Kotsan met with Leowania Leow Sui Yin, Second Secretary of the Malaysian Ministry of Foreign Affairs at the Malaysian Embassy to whom she handed a letter expressing Amnesty's concerns of the Sedition Act, asking for all charges against activists to be dropped as well as to repeal the Sedition Act and amend all laws restricting freedom of expression.

يعج الوطن العربي في هذه الحقبة الزمنية بالشعارات الوطنية التي تتغنى بالكم الهائل من الحريات التي ينعم بها المواطن العربي بعد أن ثار على حكومات القهر والاستبداد.

 

وفي مقدمة الحريات التي يسبح المواطن العربي في فضاءاتها -حسب أقاويل الحكومات- حرية التعبير، فهل حقا فاضت بلادنا بالحريات حتى بات المواطن العربي يتمنى لو ترجع أزمنة الخنق، أم أن الحرية التي تعنيها الحكومات في هذا الجدل اللفظي هي حرية "التعتير"!

 

لقد ثارت بلادنا العربية منذ خمس سنوات على أجهزة مارست صفع المواطنين منذ أن رحلت قوى الإستعمار عن بلادنا العربية ، وثار المواطنون العرب على أجهزة الأمن السياسي ، و على الأيدي الهلامية التي تغلق الأفواه و الجيوب ، و تفتح خزائن الهروات ، و القنابل المسيلة للدموع.

 

 فهل حقا كانت اللطمة التي أنزلتها الشرطية التونسية (فادية حمدي) على وجه  محمد البوعزيزي  هي آخر اللطمات ، أم أنها فاتحة لأساليب قمعية جديدة تمارسها أنظمة "ديموكتاتورية " على أكتافنا العربية ؟!

 

هل حقا كانت اللطمة التي أنزلتها الشرطية التونسية (فادية حمدي) على وجه محمد البوعزيزي هي آخر اللطمات

إننا و منذ أن أشعل البوعزيزي النار في جسده تحولنا إلى دمى شعبية تتسلى الحكومات و إجراءاتها التعسفية في تحجيم أنفاسنا ، و تحديد كميات الأكسجين التي تدخل الى قصباتنا الهوائية و أجهزتنا التنفسية.

 

 لقد ثرنا باحثين عن الحرية فانقلب السحر على الساحر ،  و صار القمع الحداثي يسيرنا إلى طرقات أكثر تعرجا من التي كانت في عهد القذافي ، و زين العابدين ، و مبارك ، فهل ستشنق دُمانا و تعلق إلى جانب عمر المختار  كما صورها لنا الكاتب السوري  زكريا تامر  منذ أكثر من عشرين سنة !

 

كل هذه الأسئلة تتصارع الآن في عقلي الذي بلغ العشرين من عمره منذ أيام  بعد أن قرأت ما يكفي ، و كتبت ما يكفي ، ليوقعني في فخ المواجهة مع الرقابة العربية التي تمارس تكميم الأفواه كل يوم ، و كل لحظة  و لا تترك مقالا  أو رسالةً ، أو قصيدة  أو رواية ،أو عملا فنيا ، إلا و تمرره تحت إبطيبها  فيختنق هذا العمل ، و يعتزم أن يشنق نفسه  إلى جانب عمر المختار  والدمى.

 

و قد قصدت كتابة هذه التجربة الشخصية بغية طرح التساؤلات الموجعة ، و لأن الإيجاز هو روح الحكمة كما يخبرنا شكسبير ، فإنني سأحكي لكم قصتي مع  حرية التعبير  العربية  بكل إختصار .

 

لقد كتبت – طيلة سنة كاملة – عملا روائيا يلخص أحداث الثورة السورية ، و انعكاساتها المادية و النفسية على  بطلها العشريني  ، و ما يحدث في سوريا منذ أن اشتعلت الأحداث في درعا و انتقلت لحماة ، و حتى تربع تنظيم "داعش" على واجهة الأحداث في عام ٢٠١٣ .

 

و قد التزمت أن أكون صوت العشريني و الأربعيني و الستيني السوري ، أردت أن أكون صوتا لكل المترملين عند حواف أملهم ، في الظفر بقليل من الحريات التي دهسها نظام الأسد منذ نعومة أنيابه  على افتراض نعومتها في شهورها الأولى .

 

و قد انتهيت من كتابة العمل قبل شهور ، ثم حدقت بعد ذاك بعناية محاولا التقاط فرصة ذهبية للنشر ، دون الإلتفات الى حجم الدار التي أبحث عنها  أو تاريخها الأدبي ، لإنني  و ببساطةٍ  لا أملك من المال ما يكفي التاجر  أو الناشر ، ليبذل على عملي الأدبي مجهود نشره  و توزيعه  و وضعه على أرفف المكتبات العربية .

 

و قد جاءتني فرصة للنشر في مكان تمنيت منذ أن أنهيت العمل أن أنشر فيه ، متوقعا بأن الرقابة في هذه الدولة هي الأخف وطأة من أخواتها العربيات، لقد كانت دار النشر عربية إماراتية  في هذه الدولة التي توفر للمبدعين العرب مساحةً من الحرية ، و البيئة الإبداعية البحتة .

 

و قد وافقت لجنة التقييم و القراءة في الدار على نشر العمل ، ثم أخبرتني برفعه لينال نصيبه من الإجراءات الرقابية الحكومية، وفوجئت  – بعد رفعه بثلاثة أسابيع – ببريدي الإلكتروني ينبهني لرسالة يحملها من دار النشر .

هل الدول العربية تسبح الى الوراء وتسير إلى الماضي وتطير إلى السفوح؟ وهل سنعود لـ"نولول" على أيام "الشتاء العربي"؟

 

هرعت لأفتحها و مشاعر الفرح تغزو كل خلاياي الجسدية  و العاطفية، لكن فاجأتني كلمات منعي من نشر العمل مع التحفظ على محتواه ، و نزلت عليّ حقاً  مثل تلك اللطمة التي أنزلتها الشرطية التونسية على خد البوعزيزي الكادح  منبئة إياي  بأن الدولة التي رفعت رأسي بها كثيرا ، و افتخرت في تطورها كأنها بلدي.

 

 و حرصت على أن أجعل من إنجازاتها – في أذهان الآخرين – ما يتجاوز أبراجها في القامة  لا بل و تتقزم الى جانبه ، بأنها لم تسلم من أن تكون مثل أخواتها العربيات  لا تتوانى عن إعدام الفن إذا كان في إتجاه آخر  غير الذي تحبه السياسة ، و الدبلوماسية و البروتوكولات !

 

و أتساءل هنا وفي في هذا المقام الذي أكتب فيه و أنا بأشد الثقة من وصول هذا المقال إليكم  هل الدول العربية تسبح الى الوراء ، و تسير إلى الماضي ، و تطير إلى السفوح ؟ و هل سنعود  لـ"نولول"  على أيام  "الشتاء العربي" ؟ و هل حقا تتيح لنا حكوماتنا مجالاً عصريا لحرية التعبير ، أم أنها تواضب على مسؤوليتها التاريخية في أن تكفل لنا حرية "التعتير " !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.