شعار قسم مدونات

امرأة بألف ذكر أو يزيدون

blog-المرأة المصرية

لم يخطئ حافظ إبراهيم حين قال "الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعبا طيب الأعراق" بل أصاب كبد الحقيقة فإن أُعدت الأم كامرأة حرة أبية لا ترضى الدنية في دينها ووطنها وحريتها أَعدت رجالاً أحراراً أُرضعوا الحرية والكرامة والإباء فلا تلين لهم قناة ولن يخضعوا لظالم جبار مهما كانت قوته والعتاد.

والثورة المصرية منذ اندلاعها فى الخامس والعشرين من يناير 2011 م وحتى الآن أثبتت أن الحرة المصرية زوجةً كانت أو فتاةً  أماً كانت أو ابنةً أنها رضعت الحرية وترعرعت عليها كما أرضعتها وربت عليها أبناءها ودعمت وحفزت عليها زوجها، فكانت ساهرة تحرص الميدان كتفا بكتف مع الرجال فى عتمة الليل أو حر النهار وهدفها الأسمى هى حريتها حتى لو ماتت فى سبيلها.

لا أبالغ حقيقة حين أقول إن الحرة المصرية التى عاشت مضحية لأجل حريتها وحرية وطنها هى بآلاف الذكور الذين لا يفكرون إلا تحت أقدامهم. 

وإن دورها فى موقعة الجمل – وقيامها منذ بدء الحدث من ظهر يومه حتى نهايته صباح اليوم التالي من تكسير الحجارة وتوصيلها للشباب والرجال على مداخل الميدان أو إلقائها الحجارة على من يريد أن يسلب حريتها أو تحفيزها واستنهاضها همم من أراد قسطا من الراحة ليواصل النضال …إلخ – وغيرها من الأحداث فى كل ميادين القطر المصري في هذه الفترة وما تلاها من أحداث حتى وقوع الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 م يؤكد مدى إدراكها ووعيها بأهمية خوض هذه المعركة – معركة الحرية – مهما كانت التضحيات ليس من أجلها فقط ولكنها حرية جيل وكرامة وطن ومستقبل أمة.

لا أبالغ حقيقة حين أقول إن الحرة المصرية التى عاشت مضحية لأجل حريتها وحرية وطنها هي بآلاف الذكور الذين لا يفكرون إلا تحت أقدامهم لملء بطونهم وبطون أولادهم دون النظر سنتيمترات إلى الأمام كيف سيكون مستقبل ذريتهم تحت بيادة هذا النظام العسكري الفاشي ؟

ولا أحتاج إلى دليل على هذا فواقعها الذى تحياه واضح لكل ذى عينين، فهى الأم التى تركت بيتها نافرةً إلى ميادين الحرية مع أبنائها وزوجها معتصمة بها كما الرجال، فعادوا هم من دونها أو عادت هى من دونهم، ففي عدم عودتها راحة لها – نحسبها شهيدة ولا نزكيها على الله فقد خرجت إلى ظالم جائر تأمره وتنهاه فقتلها بل هى مع سيد الشهداء – أو عادت هى من دونهم أو دون بعضهم ولسان حالها ليتني ما عدت، أي حياةٍ هذه وفلذة كبدها تحت الثرى بيد من خرجت تطلب لهم الحياة، فلا نومٌ بالليل ولا صحوٌ بالنهار،  ودمعاتها قد نضبت من مآقيها على فراق حبيبها وما حل بوطنها،  ثم لا تلبث أن تلملم جراحها لتكمل معركتها وتستعد لما هو آت.

وإن عادت ببعضهم أصبحوا إما أسرى فى سجون الظلم والقتل وسلخانات معسكرات الاعتقال كتلك التي أقيمت فى أوروبا والاتحاد السوفيتي فى القرن الماضي، فتنتظر رؤيتهم لدقائق معدودات بعد إخفائهم لشهور ومن زيارةٍ إلى أخرى – لمن له زيارة فكثير منهم لايمكن حتى زيارته – بقلب مكلوم لا تنام الليل فسفرٌ طويلٌ ومشقةٌ كبيرةٌ تنوء عن حملها الجبال، ، انتظارٌ فى طابورٍ طويلٍ من أخواتها فى المصيبة من الفجر حتى المغيب، تعامل معاملة اللاإنسان – وهذه طباع دولة الظلم – كي يتمكن الظالم من نفسها فيكسرها ولكن هيهات هيهات فهي من أرضعت الأحرار لبن الحرية بعكس ما يأكل هؤلاء الظلمة وأسيادهم من روث أولياء نعمتهم في أميركا وأوروبا والكيان الصهيوني.

أو مطاردين فلا ابنا ترى ولا زوجا يزور بالشهور وربما بالأعوام إلا خلسة هنا أو هناك ومن ضاق بهم الحال وصعب عليهم المقام وطوردوا خارج البلاد فأنى لها أن تراهم فتكفى صورهم والمراسلات ويتقطع قلبها كل يوم آلاف المرات لو أنها ضمتهم إلى صدرها للحظات فيقر قلبها قراره بعد غليانه ليال وساعات! وماذا تفعل وهي هنا أسيرة بين هذا وذاك !!.

هذه الأحمال وأضعافها لا يمكن لعشرات من الرجال الذين يخوضون معركة الحرية أن يقوموا بها

هذه الحرة التى غاب عنها الزوج كما الأبناء منوط بها أن تكون سكن البيت لمن بقى حتى وإن أصبحت وحيدة،  صابرة،  محتسبة أجرها على الله فى سبيل أن تنتصر فى معركتها .

وبعد كل هذا هي هي من بالشارع تقوم بتوعية مجتمعها بمعاني الحرية والكرامة الإنسانية وأن لا حياة يمكن أن يحياها تحت حكم هذا الانقلاب، كما هي في قلب كل حراك ثوري – بل هى معظم الحراك الثوري فى ظل اعتقال الرجال ومطاردتهم – للحفاظ على الثورة وجذوتها فى كل شارع وقرية وميدان وربما أصابها ما أصاب الرجال فطوردت وأخرجت من ديارها فلا معتقل زارت ولا طريد رأت أو اعتقلت وأصبحت أسيرة لدى نظام يكره الحرية كما يحب الاستعباد فهم عبيدٌ للأنظمة التى ربتهم وسمنتهم ومكنتهم من رقاب العباد،  نظامٌ ليس إلا عصا غليظة بيد هؤلاء على بني قومه ..

هذه الأحمال وأضعافها – آخذين في الاعتبار طبيعة المرأة – لا يمكن لعشرات من الرجال الذين يخوضون معركة الحرية أن يقوموا بها فما بالك بالذين باعوا عقولهم لبطونهم فلا يرون إلا ما ترى معدتهم ولا يدافعون إلا عما يسد رمقها وإن كان فيه إعدام لمستقبلهم ومستقبل الوطن ألا تزن هذه الحرة منهم الآلاف!!

فتحيّة فخر وإكبار لسمية ونسيبة ورفيدة وخنساء هذا العصر، هذه الحرة التى دفعت حياتها وما زالت تدفعها كل يوم بعدد أنفاسها وحركاتها وسكناتها في فقدان ابن أو زوج وفي مخاطرة حراك أو وعي فى سبيل حرية وطن ديست كرامته ببيادة العملاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.