شعار قسم مدونات

أن تتضامن مع أشباه حمدين صباحي

blog-صباحي

لو أننا في يوليو 2006.. أو حتى في 2007.. لكنا أمام مشهد جد مختلف، شخصيا لست أشعر، بعد أعوام خمسة من الذبح والتدمير والانقلاب الممنهج على شعارات الشباب العربي في ساحات مدنهم، بأن شيئا من التضامن يستدعيه معسكر مبرري كل سفك الدماء باسم "المؤامرة".

من المذهل حقا أن يتصور شيخ يطل علينا، بعد أن سقطت عنه صفة أخرى سوقها للقوم، على الأقل في وجدان من عايش أن طريق القدس يمرعبر كل المدن إلا واحدة  فلسطينية، بأن "العمالة لحزب الله" يمكن أن تشترى في سوق دموي غير مستقيم.

لعل هؤلاء في جرأة المتعالين على دماء الضحايا يظنون بأنه سيؤنبنا ضميرنا لأننا لم نتضامن مع ذلك المعسكر الذي ظن بأن الشعوب مجرد "قطيع"

ثمة مشهدين واحد في سطحيتها وتبسيطها، مقابل الأخرى الدموية،  ففي الزمن الذي يتحول فيه القاتل إلى "رجل ينقذ الأمة"، وينبري فيه جمع من "رجالات الفكر" لتبرير كل فعل تحت سقف أحذية العسكر، لن يكون أمامك سوى أن تتمالك انفجاراتك في غياب أي حس من عدالة الموقف، حتى لمن تختلف معهم.

تكررت ثرثرة إساءة استخدام فلسطين، كعباءة تبرر كل شيء فيه رائحة دم في غير مكانه، تماما مثلما استعيدت في بداية ثورة السوريين قصائد محمود درويش على شاشتي القذافي والأسد.. إنه الإستخدام الرديء لقضية عادلة كممسحة لأيد ملطخة بدماء آخرين، يفترض أنك تطلب منهم الوقوف مع عدالة قضيتك.. من على شاشات بيروت كانت فلسطين أيضا عنوان تبرير التوسع من القصير إلى الذيابية والحسينية بريف دمشق، ومن ثم مخيم اليرموك وخان الشيح..

كيف تتضامن مع شخص لم يرى في قيمة الدم ما يعنيه سوى أن يغرد في جوقة، تشبه إلى حد ما ما يكرره مع كل حاكم عسكري ذلك الذي باعنا الكثير من الصراخ عن "القومية وفلسطين"؟ قبل أن نكتشف ذات نهار فلسطيني انزعاجه الشديد من شبان مزقوا صورة رئيسه المخلوع مبارك بعد أن أهانهم أبو الغيط..

إنه مصطفى بكري بعينه، الذي يقنع البسطاء من على شاشة خدمة العسكر، أينما كانوا، بان "القائد تغيرت ملامحه وكبر عشر أو عشرين سنة بعد الحمل الثقيل منذ ثورة 30 يونيو"..ثم، وبلا مناسبة، سوى إثارة الفزع.. وبث الشعور بالعجز، يكرر "انظر كيف ضاعت سوريا ودمرت من الإرهابيين… إن قلبي يتمزق على حلب…".

لعل هؤلاء، في جرأة المتعالين على دماء الضحايا، يظنون بأنه سيؤنبنا ضميرنا، لأننا لم نتضامن مع ذلك المعسكر الذي ظن بأن الشعوب مجرد "قطيع" في مزرعة الحاكم.. ثم على ماذا نتضامن مع متهم بالعمالة؟.. ألم نرى ذات يوم يمني ما تعنيه العمالة؟ .. الشعار ليس مضحكا:" الموت لأميركا.. اللعنة على إسرائيل.." إلى آخره .. فلا ترى الموت سوى للعرب واللعنة على الفلسطينيين والبسطاء من اليمينيين..

شخصيا على الأقل سئمت التضامن الأعمى مع من صار يعتبر رجالات أميركا في العراق جزء من محور المقاومة والممانعة"، وقد نسي هؤلاء ما حل بالبلديات في بغداد وكيف شُحن الفلسطينيون إلى البرازيل يوم غص حلق بشار وأجهزته القومية ببعضهم في التنف..على الحدود الشبيهة بحدود حظر السوريين..

باختصار شديد، هؤلاء يحبون فلسطين.. لكن بدون شعبها.. يحبونها كطعم ليس إلا.. 

من سوء حظ جيل كامل من العرب أنه استيقظ على شعارات توزن كما يوزن الأرز في أزقة بلادنا.. بعضنا شرب المقلب حتى صب صبا في جوفه وعقله، فتعطل الأخيرمنذ أن ترسخت نظرية المؤامرة على أبواب دمشق.. فصارت "الصحوة الإسلامية".. و"الانتفاضة العربية".. من على "شاشات الممانعة"… ليست أكثر من مؤامرة كونية..

فعلا لو أننا في يوليو 2006 أو حتى في 2008 لكنا قلنا بأننا ما نزال نرى معسكر "المقاومة" إياه.. لكننا في 2016 نرى رايات وبوصلات أخرى.. صفراء وخضراء تفتش عن مقامات وتدعي أنها في طريقها نحو القدس بتدمير حلب شمالا ومخيمات درعا واليرموك جنوبا..

باختصار شديد، هؤلاء يحبون فلسطين.. لكن بدون شعبها.. يحبونها كطعم ليس إلا.. فعلى ماذا نتضامن مع قتلة ومبرري قتل ومسوقي دونية واحتقار للذات أمام الغربي، الذي يبحثون فيه عن شرعيتهم تمر تماما بمقولة رفيقهم رامي مخلفو:"أمن إسرائيل من أمن سوريا".. وكذا أمن بقية الثورات المضادة، حتى لو علا صوتها بشعار "الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل".. بربطات عنق أو بلحى يراها البعض، من يسار القوم، لحى ماركسية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.