شعار قسم مدونات

أنا معجب بالقيامة

blog قرآن
أنا معجب بالقيامة.. بذلك التساوي المطلق والعدل المحض، إذ يجتمع كلٌّ كأحجار الطريق المرصوفة، وكلٌّ بذاته مشغول، لاشك إنها خاتمة لائقة، وكمشهد لابد أنها ملهمة ولابد أنها ألهمت الكثير وما زالت، ومنهم من كان يسعى ويشتغل في تنظيم شؤون البشر أو في ابتكار أساليب عيش لهم في مجتمعاتهم، واجتراح رؤى ونظريات بزعم التطبيق للوصل لحال يشبه حالها.. كارل ماركس نظّر يوما لطريق تودي إلى "الشيوعية" وماهي إلا تجليا حرا لمبدأ التساوي البحت دون البحث المضني عن أسباب الغلبة كما في القيامة.

مأخوذٌ بالقيامة وبجدية النهاية لأن نهاياتنا ماتزال سائلة، لم ينته شيء بعد في هذا الركام البشري والحجري المكون لكل حالاتنا، لم نعرف بعد نهايات ولم ترمِ علينا ثقلها وذاك ما يشجعنا على أن نبدأ دائما وكأن مخزوننا من الوعي كمخلوقات لايضم في ثنايه شيئا عن الانقضاء، فماذا لو انقضى الأمر.. ولماذا لاينقضي؟ أراني وإياكم لم نحط بعد بجواب، وكلنا مازال ينتظر شمسا تشرق من مغرب -كم هي عبثية هذه الجملة وكم هي قادرة على تحطيم كل إدراكنا- فهل فعل الشروق أعطى الاسم للاتجاه أم العكس.
 

ما القيامة التي أرتجي إلا تلك التي تمنح فرص البداية وفرص الغرق توزعها بتساو مطلق وعدل محض.

هل المكان هو من صبغ الكلمة بمعناها المدرك، وما الذي يفيده معرفة من أعطى الاسم والمعنى للأخر إن طلعت شمس يوما من المغرب؟ إنه الأمل ودأبنا على تسييل النهاية، فنحن قادرون على أن نسمي مطلعها الجديد مشرقا نكمل به صباحاتنا، وتسيل معه النهاية حتى ولو بقدر وعينا فقط.
 

• "نحتاج لنهاية ومحظوظون نحن باعتقادنا بها وعدم استسلامنا لحدوثها محظوظون أننا نتظرها ولا ننتظرها في آن"

مجددا.. نحتاج لنهاية ومحظوظون نحن باعتقادنا بها وعدم استسلامنا لحدوثها محظوظون أننا نتظرها ولا ننتظرها في آن.

هي حلنا السحري وموعد نصرنا ومشهد مبارزتنا لباطل يسحقنا ويحيل منا المُقل دمعا..باطلٌ يعمى عن كوننا بشرا بقلوب تُسحق مع كل رصاصة أو برميل أو صاروخ أو قذيفة تجعل حتى أحلامنا رمادا، تنسف ماضينا وإرثنا وذكرياتنا، وتشظي حاضرنا بين أسى ونقمة ورغبة جمة بالوصول إلى المأمول رغم أنف الباطل الذي لا يعي أن له جولة ولنا جولات ننتظرها، حتى وإن كان أقرب مواعيدها مضبوط على موعد القيامة … فبهذه نحن نتظر.

لكم في الحياة أخوة يا أولي الألباب لم تنصفهم عدالة ولم ترفع عنهم ماهم فيه قوة، وما عادوا ينتظرون إلا القيامة.

أما بتلك فلا نفعل ولا نترقب سوى الشمس التي نعرفها وتعرف جباهنا جيدا، تطلع من شرقنا المعتاد ننتظرها فقط وإن في كنف خيمة أو فيء شجرة، لسنا معنيين كثيرا بالقيامة، ونحن ثائرون نحمل ثأر دم وحلم ونمضي إلى غدنا حيث ستكون هذه البلاد أجمل وتعود الخيمة بيتا والشجرة بستانا ويكبر منا الصغير، يكبر معه التوق وحب الانعتاق من حياة تحدد ملامحها طلعات القاذفات الاستراتيجة وتضبط مواعيدها أصوات صفارات الإنذار البدائية.

"ما القيامة التي أرتجي إلا تلك التي تمنح فرص البداية وفرص الغرق توزعها بتساو مطلق وعدل محض"

أنا معجب بالقيامة حيث سيأتون جميعا أمام ضحاياهم من أجساد وأوطان ومهج حرة، يأتون صاغرين، فالاستواء ذاك لايعني إلا كسرهم، هم الذين حطموا منا الرجاء بأن تمنحنا الحياة فرصة كما تمنح غيرنا، سرقوا منا حتى فرصة أن نحيا دونهم وما كنا لنحتاجهم إلا ليعلم الخلق جميعا كم نحن مظلومون وكم نحن ضحاياهم، عُرفنا بهم وعرفوا بنا وما قيامتي التي أرتجي إلا تلك التي تمنح فرص البداية وفرص الغرق، توزعها بتساو مطلق وعدل محض.

لكم في الحياة أخوة يا أولي الألباب لم تنصفهم عدالة ولم ترفع عنهم ماهم فيه قوة، وما عادوا ينتظرون إلا القيامة ينتظرونها ولا ينتظرون.. يعملون ليومهم ولحلمهم بالحرية التي داسها حذاء لا يشبه ذاك الذي وجدته أم تبحث عن ابنتها بين ركام لاينتهي، ركامٌ من دارها ومن أحلامها بأن ترى البنت عروسا بحلة بيضاء يحملها فارسها إلى مكان سوى قبرها، فماذا بعد أن لم تجد من الحلم غير حذاء، ماذا بعد؟ ألا تصبح القيامة مشتهاة.. بلى لعمرك هي بهذه منتظرة وأنا بها معجب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.