شعار قسم مدونات

أسقطوا هذه المرأة!

blogs - نورانية
وُصفت من داخل المنظومة التربوية الجزائرية بأنها أخطر وزيرة على التربية في الجزائر!، تقف وراءها ترسانة من وسائل الإعلام المحسوبة على التيار العلماني لتلميع صورتها عند الشعب، تحرص دائما نورية بن غبريط رمعون وزيرة التربية الوطنية على الظهور مع أقوى رجالات النظام الجزائري، وكبار المسؤولين في الدولة كامرأة تتمتع بنفوذ قويّ، يجعلها فوق الضغط الشعبي المطالب برحيلها والسخط العارم ضدها.

تمّ تعيين بن غبريط وزيرة للتربية في مايو عام 2014، وقد شغلت من قبل منصب أستاذة لعلم الاجتماع، ومديرة لمركز بحثي في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران تحوم حوله شكوك وتساؤلات عديدة ، كما كانت ضمن لجنة بن زاغو التي عيّنها بوتفليقة حين تولّى مقاليد الحكم، والتي كلّفها بإرساء إصلاحات للمنظومة التربوية، ثم انتهى عمل هذه اللجنة بتقرير تم دفنه بدرج المكتب الرئاسي دون أن يرى النور أو يعرف الشعب الجزائري ما الذي تمّ التخطيط لمدارسه وتعليم أبنائه !

لم تتوان نورية بن غبريط أن تفتخر أنها حفيدة لهذا الذي يراه الجزائريون " حركي " أي خائنا لوطنه ولدينه وجهاد شعبه ضد المستعمر، ووصفته بالعظيم !

دار جدل حادّ حين تمّ تعيين بن غبريط وزيرة للتربية وهي المعروفة بخلفيتها العلمانية المتطرفة، أقلّها أن قرار تعيينها لم يكن سياديا خالصا، كما أنها تعتبر حفيدة لجدّها قدّور بن غبريط الذي عيّنته فرنسا إماما لجامعها بباريس في الفترة الاستعمارية، محاولة من خلاله آنذاك صناعة صورة لإسلام لا يصادم القيم الغربية التي كانت فرنسا ترسخها بالحديد والنار في مستعمراتها، كان قدّور بن غبريط يظهر في حفلات أرستقراطية فرنسية حيث الخمور والعري مروّجا لصورة إسلام متسامح مع المستعمر وقيمه ومدنيته.

علّق الإمام الراحل عبد الحميد ابن باديس على عمله : "وعلى ذكر بن غبريط فإنني لا أنسى له ذلك الإمام الذي اختاره، بموافقة الإدارة، من إحدى مدن الجزائر الساحلية ونصّبه إماما بجامع باريس، فكان فضيحة للجزائر، وسبّة معلنة في كلّ جمعة من فوق المنبر أمام أصناف الأمم الإسلامية "، ولم تتوان نورية بن غبريط أن تفتخر أنها حفيدة لهذا الذي يراه الجزائريون " حركي " أي خائنا لوطنه ولدينه وجهاد شعبه ضد المستعمر، ووصفته بالعظيم !

حين تولت الوزارة هذه السيدة التي وصفها أحد من عمل معها وهو الأستاذ حمزة بلحاج بالمتعصّبة للقيم اللائكية الفرنسية، قامت باتفاقية مع الطرف الفرنسي الذي يعرف بـ " دي آل سي " ضمن برنامج تعاون مع فرنسا في قطاعات عديدة، والتي من بينها قطاع التعليم، فجعلت بن غبريط هذا الجزء من مخطط التعاون برنامجا وطنيا، يقوم على تكوين الإطارات التربوية بما يتناسب وإقرار مجموعة من التغييرات على منظومة التربية، تقوم على تدريس اللغة الفرنسية بالثقافة الفرنسية والقيم المدنية الفرنسية، وتدريس مواد علمية أخرى باللغة الفرنسية.

لاحقت بن غبريط معارضيها داخل الوزارة وشددت الخناق عليهم، وأهمهم الأستاذ حمزة بلحاج الذي أوقفت راتبه لشهور عديدة، فيما عرف بفضيحة الخبراء الفرنسيين التي كشفها، وتتعلق بمجموعة من الخبراء استقدمتهم بن غبريط بخصوص ما تمت تسميته بالإصلاحات التربوية، لقد قامت هذه الوزيرة بتسليم أبناء الجزائر لكي يدرّسهم المستعمر القديم ويزرع فيهم قيمه التي تتنافى والقيم الحضارية الإسلامية، بدا واضحا أن بن غبريط كانت ولا تزال تسعى بتطرّف شديد لمحاصرة أركان الهوية الجزائرية وأهمها على الإطلاق اللغة العربية والقيم الإسلامية، كيف لا وهي التي وصفت المدرسة الجزائرية فيما سبق بأنها كانت تخرّج الإرهابيين!

لم تتوان الفضائح على قطاع التربية في الجزائر الذي بقي يشهد انحدارا متواصلا منذ انقلاب العسكر على المسار الديمقراطي ذات يناير من عام 1992، إذ حرص نظام العسكر آنذاك على أن تسير المدرسة وفق نهج علماني استئصالي أرادوه لها، بعد أن كانت أحد أهم معاقل صناعة الوعي السياسي، وبناء فرد جزائري مشارك في النقاش السياسي الذي كان دائرا آنذاك في ظلّ الانفتاح الديمقراطي قبيل الانقلاب العسكري.

بعد ذلك طفح التجاذب السياسي والأيديولوجي في النقاش حول المنظومة التربوية التي بقيت رهينة هذا الجدل اللامنتهي، ولا يزال الجزائريون يتذكّرون فضيحة تسريب مواضيع امتحان الباكالوريا عام 1992، حيث كان وزير التربية آنذاك السيد علي بن محمد يتجه لإقرار اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى يختارها الطالب على سواء مع اللغة الفرنسية، إضافة إلى إجراءات تحسينية أخرى لم ترق التيار العلماني، ومن وراءه فرنسا التي رأت في ذلك تهديدا لوجودها الثقافي في الجزائر، واستطاعت من خلال التيار التغريبي أن تدخل المنظومة التربوية في دوامة الصراع السياسي والأيديولوجي وتفتت ما كان يجمع الجزائريين من مقومات هوياتية.

خرجت بن غبريط من كل كوارث تسييرها أقوى بفضل مؤازرة اللوبي العلماني المتغلغل في مفاصل النظام الجزائري وتمسّك هذا الأخير بها على رأس وزارة التربية

قادت وسائل الإعلام العلمانية في الجزائر حملة شنيعة ضد وزير التربية آنذاك ما اضطره لتقديم استقالته، الأمر الذي لم يحصل مع بن غبريط هذا العام، حيث كان يستيقظ الجزائريون في امتحانات الباكالوريا على فضائح يومية لتسريبات طالت كل مواد الامتحان، ناورت وراوغت الوزيرة المعنية قبل أن تعترف بفشلها الذريع في تنظيم الامتحانات، لكن النظام كان داعما لبن غبريط وكذا وسائل الإعلام العلمانية التي وقفت في صفّها، ودافعت عنها بشراسة ضد ما أسمته مؤامرة الإسلاميين لإسقاط بن غبريط!

أعيد تنظيم امتحانات الباكالوريا لهذا العام مرة ثانية في ظروف أمنية مشددة، حيث عزلت الجزائر كلها عن العالم بسبب هذه الامتحانات عن طريق قطع الانترنت، حتى لا يتم تسريب المواضيع حسبهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

خرجت بن غبريط من كل كوارث تسييرها أقوى بفضل مؤازرة اللوبي العلماني المتغلغل في مفاصل النظام الجزائري وتمسّك هذا الأخير بها على رأس وزارة التربية، ما مكّنها من أن تضرب بيد من حديد داخل منظومة التربية كل من يحاول مقاومة سياستها التغريبية، التي أفقدت المدرسة الجزائرية كل القيم والمثل الأخلاقية والوطنية.

تحرّكت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بما تمثله من ثقل تاريخي رفقة مجموعة من الإطارات الأكاديمية الجزائرية لدق ناقوس الخطر حول ما تشهده المنظومة التربوية من فشل كارثي، حيث ذكرت في بيانها الوطني منتصف الشهر المنصرم أن تدني مستوى التعليم جعل المدرسة الجزائرية غير قادرة على أداء الغرض المنوط بها، وأن التخبط والضبابية في تسيير ملف الإصلاحات التربوية جعلها عرضة للشائعات التي أحدثت قلقا كبيرا وحيرة واسعة في المجتمع، وتصدى البيان لمجموعة من النقاط من بينها : المناهج والبرامج التعليمية، تنمية اللغة العربية التي تعتبر تحت خطر محدق بسبب هذه الوزيرة المؤدلجة، والانفتاح على اللغات الأجنبية الأخرى وأهمها الانجليزية وعدم البقاء رهينة الفضاء الثقافي للمستعمر القديم.

في ظلّ ما تمارسه بن غبريط من استئصال لمقومات الهوية ومحوٍ لمعالم المدرسة الجزائرية، لا تزال نقابات المعلمين منشغلة بالجانب الاجتماعي، مؤكدة بذلك نجاح النظام الجزائري في إلهاء الشعب باللهث وراء شظف العيش، ما يجعل طريق التغيير في الجزائر والنهوض من السبات العميق طويلة لأنه لا نهضة بدون تعليم قويّ، ويؤكد أنه لا وجود لديكتاتور في التاريخ نهض بالتعليم لأنه يعلم أن هذا الأخير سيُنهضه من كرسيّه !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.