شعار قسم مدونات

ليتني ودعتها!

blogs - Aleppo - BYE
على غير العادة استيقظت هذا الصباح منزعجاً، وإذا عرف السبب بطل العجب.. فقد كان هذا اليوم الأخير من زيارتي لبلدي سوريا وهو ما يعيد إلي الذاكرة سريعاً لحظة العودة إلى ديار الغربة بكل ما يعتريها من ألم وفراق.. وكنت قبلها قد تعودت أن أستيقظ بكل ما أوتيته من حماس وطاقة لألعب مع أقاربي.

كرهت صوت صاحب "عربية" السحلب وبائعي الغاز لأول مرة، وكرهت أيضاً للمرة الأولى نداءات بائع الذرة أو “البليلة” كما نسميها في سوريا، و كرهت على غير العادة الدقات المبكرة للساعة.

التأم شمل الأقارب حول مائدة فطور اليوم الأخير. جلسنا نحن والأقارب مع بعضنا البعض وتناولنا الطعام الحلبي الأصيل”جبنة وكعك وشاي وزيت وزعتر” ثم تبادلنا الحكايا والقصص وضحكنا، ولكن لم نرتو بعد حينها من من رؤية بعضنا البعض.

فجأة قطع حديثنا صوت دق الباب.. وصل خالي ومعه الباص لنقلنا وأمتعتنا إلى المطار.. ساد الصمت وكلٌ أصبح ينظر في وجه الآخر بتعابير يغمرها الأسى.. “وصل الباص” كلمة ظلت ترن في أذني لمدة خمس دقائق لدرجة أني لم أعد أحس بما حولي من شدة الصدمة”نعم حان موعد الرحيل” قلتها في نفسي والعبرة بدأت تخنق أنفاسي.

بدأنا نودع الأحباب ولا أزال أذكر موقف خالتي حينما أتيت أسلم عليها، كانت قد بدأت تبكي أمام عيني بحرقة على رحيلنا، يا للغربة كم هي قاسية، شردتنا وأبعدتنا عن أحبابنا حتى أفسدت أجمل لحظاتنا.. خرجنا من الباب وبدأنا رحلة العودة.

رغم الفراق يا حلب ستظلين في قلبي شامخة. ورغم الدمار الذي حصل فيك ستظلين بنظري جميلة. رغم دمائك التي سالت و جراحك التي غطت أراضيك سأظل أحكي عنك وعن أمجادك

بدأ منظر حارات حلب القديمة يمر أمام ناظري. بدأت أرى أصحاب “الدكاكين” العتيقة وهم يشرعون في بدء يوم عمل جديد في الصباح الباكر كالعادة. بدأت أعد أشجار الياسمين شجرة شجرة وأنا في الباص.. لكن ليست هذه المشكلة فقد كنت أنظر إلى حلب نظرة مودع سيعود إلى بلده في الصيف القادم، ويا ليتني علمت ما سيحصل. كنت على الأقل ودعتها وداعا أخيرا.

لو عرفت ماذا سيحصل فيك يا حلب لكنت مررت على جوامعك وقبلتها حجراً حجراً.. لو عرفت فقط أن منازلك العريقة وشوارعك الضيقة ستهدم فوق رؤوس ساكنيها ما كنت فارقتها ولو للحظة.. لو كان بيدي أن أسلم وأحضن كل أقاربي
لفعلت.. لو كان بيدي كنت سأظل بقرب جدتي أحكي لها القصص وهي تغني لي الأشعار الشعبية وأغاني “الضيعة".

رغم الفراق يا حلب ستظلين في قلبي شامخة. ورغم الدمار الذي حصل فيك ستظلين بنظري جميلة. رغم دمائك التي سالت و جراحك التي غطت أراضيك سأظل أحكي عنك وعن أمجادك التي سطرها التاريخ. سلامي عليك وعلى أهلك الطاهرين. سلامي على كل من دافع عنك وعن أناسك الطيبين. سلامٌ لك ولكل الأرواح الزكية التي بذلت في سبيل حريتك. سلامٌ من قلبي الموجوع لك يا شهباء الكرامة.

لله درك يا حلب. كم اشتقت إليك، لماذا لم تخبريني؟ لماذا!؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.