شعار قسم مدونات

عن زيارةِ بن قنة للقدس.. عن تيه المشاعر

blogs - khadejabin

لم يكن من الغريب أن أراها على شاشة التلفاز، لم يكن من الغريب أن تكون في نافذة إخبارية خارج أستوديو الأخبار، إنما كان الغريب أن أرى تلك القبة الذهبية قابعة خلفها، بجلالها الطاغي من عصر الأمويين، تلك القبة التي تحتاج ترتيباتِ الزيارة لها ما تحتاجه زيارة دولة بأكملها وأحيانا قوانين أصرم، وتُسْتَقْبَلُ على حاجزها إما بالرفض المُذلّ أو القبول المرهق.
 

من قطر إلى القدس سافرت خديجة بن قنّة مسافة تزيد عن 1719 كلم، و أنا أبعد عن القدس مسافة لا تزيد عن 19 كلم ولا أستطيع زيارتها! أرقب القدس من بعيد، أتغزل بصورتها أمامي كشاعر جاهلي يذكر حبيبته على الأطلال، يفصل بيننا جدار الضم والفصل العنصري وحواجز تفتيش.
 

عليك الانتظار عندها حتى يأتي دورك، وأحياناً في ساعات الانتظار تختم سورة البقرة، هذا إن كان معك تصريح لا يصدر لك إلا في شهر رمضان، مع ورود احتمال أن يتم الرفض وتُمْنَع من زيارتها، فضلا عن قيود عمرية تجعلك في شوق حميم إلى القدس، إلى هواها، وأزقتها، إلى البلدة القديمة فيها.
 

لا يعلمون أن حيازتك الهوية الفلسطينة لا يعني زيارتك الأقصى متى تشاء، لا يعني أن طريقا مظللا بأشجار الزيتون سَيُفْتَرَشُ لك

تقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي عن أناس خارج فلسطين يكتبون لنا "يا لحظكم تزورون القدس متى شئتم"، تنتفض في داخلك آلاف الكلمات، أجل هي نعمة أن تكون في أرض الرباط، يُحتسب لك في كل دقيقة تمكثُ فيها إقامة أجر جهاد، لكنهم لا يعلمون أن حيازتك الهوية الفلسطينة لا يعني زيارتك الأقصى متى تشاء، لا يعني أن طريقا مظللا بأشجار الزيتون سَيُفْتَرَشُ لك.
 

لا يعلمون أن إجراءات زيارتنا للقدس تشابه إجراءات زيارتهم لها وأحياناً أصعب، لا يعلمون أنه إن كان منا أحد سُجِن في سجون الإحتلال ولو ليوم واحد منذ ثمانينيات القرن الماضي فسَيِخْتَمُ على اسمه بالمنعِ الأمني، وسيمنع دخول المدينة إلى يوم التحرير أو إلى أن يشاء الله.
 

مع تلك الحسرة التي أرست في نفسي سفينتها، قامت خديجةُ ببثٍ مباشرٍ وتفاعلي من داخل المسجد الأقصى وكأننا في جواره، فأخذت أذهب بعيني وروحي أينما ذهَبَتْ خديجة لآخذ بعضاً من زواياه الحية لتبقى معي في ذاكرتي وتنسيني عطش عامين من الفراق، وإن كنت قبلهما قد زرت الأقصى مرة في شهر رمضان، إلا أن ذلك لم يروِ لي ظمأً ولم يشفِ لي جرحاً.
 

خديجة في القدس، ليست أولى الخديجات اللواتي مشين في ساحات الأقصى، ولا هي أولى الصحفيين العرب الذين زاروا المدينة، لكنها أولى الشخصيات العربية التي وَثَّقَتْ اعتداء المستوطنين على الأقصى الشريف، أولى الشخصيات التي لم تكتفِ بعرضِ القدس في صورةٍ رسمية من خلال قناةِ عملها، بل ونقلت لنا صورةً حيةً من القدس في عَفَوِيَّةِ المكان وسكانه، نقلت هذه الصورة إلى العالم أجمع.
 

والآن في هذه الأيام تكون خديجة قد أتمت عاماً من مولد زيارتها للقدس، أجزمُ أن روحَها بَقيَت هناك كما هي روحنا، فزائر المدينة متيمُ بعشقها لا محالة، وأجزم أنها ستعيش تيهاً من المشاعر كما نعيش، فرحةً وهي تنظر إلى صورها وخلفها الأقصى، و متحسرةً على فراقه، وحزينةً على حاله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.