شعار قسم مدونات

الإسلام السنّي والأنظمة الغربية.. الصراع الأشد ضراوة!

blogs - stop terrorism

بات العالم اليوم أكثر انقساما، وصارت ملامحه أكثر وضوحا، ويبدو أنه في طريقه ليصبح معسكرين بمعالم واضحة، وهذه المرة ليس على أساس اقتصادي أو عسكري، بل على أساس أيديولوجي. المعسكر الأول هو الدول المتهمة باعتناق الإرهاب، والمعسكر الثاني هو الدول التي تحارب ذلك الإرهاب.
 

الدول العظمى التي تصارعت يوما ما صارت متفقة أو في طريقها للاتفاق على أن القضية الأولى التي تستحق أن تعطى كامل الأولوية هي الإرهاب.
 

تسعى الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا لإفشال أي نموذج إسلامي يريد النجاح

الإسلام هو الإرهاب، أو هو أساس الإرهاب، هكذا يتم العمل الآن لتأصيل هذا المفهوم ، إنما ـ بالطبع ـ هناك استثناءات دائما، الاستثناء هنا هو إسلامٌ ودود ليس إرهابيا، إسلام صديق يتحالف استراتيجيا مع أنظمة سياسية غربية وأجهزة استخبارات عالمية لمحاربة الإسلام المتطرف، ليس فقط على المستوى الاستخباراتي، بل أيضا على المستوى الأمني والعسكري، أما الإسلام المتطرف هنا فهو ذلك النظام السياسي الذي يمتلك رؤية سياسية واقتصادية وفكرية واضحة، ويسعى للنجاح.
 

أمريكا تدرك أن نجاح أي نموذج إسلامي سياسي أو اقتصادي أو فكري، سيغري كثيرا من الشعوب العربية ويدفعها لممارسة تلك التجربة، الأمر الذي قد يؤدي لتعميمها على كثير من البلدان العربية والإسلامية، على حساب الأنظمة الرأسمالية والإشتراكية، وعلى حساب الأيديولوجيات المختلفة للدول الغربية، ولهذا سعت وتسعى الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا لإفشال أي نموذج إسلامي يريد النجاح، وأعتقد أن التجربة المصرية كانت خير مثال على تلك الممارسات، ومن ثم التجربة التركية.
 

تحاول تلك الدول إلصاق صفة الإرهاب بالإسلام كدين، وتعمل على ذلك، فهو الإسلام الذي قال قرآنه "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ ".. وهو الإسلام الذي تمثله داعش، وتتبناه القاعدة والنصرة.
 

لكن الإسلام يؤكد، دائما، أنه لم يكن معتديا، ومن المبادئ التى يؤكد عليها هو تحريم الاعتداء "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"
 

أما مصطلح الإرهاب في الأدبيات الإسلامية فهو وسيلة دفاع عن الدولة بحيازة الأسلحة التي تقطع أي أمل يغري الإمبراطوريات المعاصرة بضعف دولة الإسلام "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ "

كل ذلك يوازيه الآن ما يسمى سباق التسلح، والمناورات الحربية، والتجارب النووية، والعروض العسكرية، وأي قوة تقصد بها دول معينة إرهاب الدول الأخرى، لتحقق مبدأ "توازن القوى" على أقل تقدير.
 

ومع أن الإرهاب ليس له مفهوم محدد وواضح في الأمم المتحدة حتى الآن، إلا أن الإرهاب الذي يعني استهداف الأبرياء، قد جاء الإسلام يحظره، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، و دعا إلى الإحسان لمن لم يلحق الأذى بالمسلمين من غير المسلمين فقال "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"
 

وبناء على هذا المفهوم فإن الإرهاب سيكون في "الأنظمة" كما في "التنظيمات"، في الأنظمة السياسية كما في التنظيمات الجهادية، وفي الأنظمة البوليسية كما في الحركات المتطرفة، في الطائرات بدون طيار كما في الأحزمة الناسفة، وفي البراميل المتفجرة كما في العبوات المفخخة.
 

الحركات المتطرفة الحالية يمكن حصرها في ثلاثة أنواع رئيسة:
الأولى: حركات نشأت كردة فعل لتلك الممارسات التي مارستها الأنظمة السياسية والأمنية والعسكرية تجاه بعض التيارات، ونتيجة طبيعية لكل ذلك الخراب الذي حل في عدد من الدول كأفغانستان والعراق وما يحصل الآن في سوريا، ونتيجة منطقية لضرب الإسلام السياسي في الدول التي أرادت ممارسة التجربة الديمقراطية، ضربه لصالح الإسلام الجهادي.
 

الثانية: حركات نشأت ثم تم اختراقها وتوجيهها بانضمام عناصر لهذه الحركات تمولها وتعمل لحساب أجندة خارجية، تعمل على تفتيت الدول وتحيلها إلى دويلات متصارعة ومتناحرة.
 

الثالثة: حركات تم تأسيسها ابتداء لضرب كل مفاهيم العدل في الإسلام، ولتشويه كل ما هو جميل في الإسلام، وتقديم الإسلام بصورة مخيفة إجمالا، كوسيلة من وسائل محاربة الإسلام.
 

الدول الغربية ليست جادة في محاربة الحركات الإرهابية أو في القضاء عليها، لأنها صارت تعتاش عليها، وتغطي نسبة كبيرة من ميزانيتها

وبعيدا عن كل ما قيل ويقال فيها، وبعيدا عن أي تنوع لتلك الحركات، فإن موقف الإسلام كان منها واضحا "وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، هذا مبدأ واضح لا شائبة فيه، وأي تبرير لعمليات تستهدف الأبرياء استنادا على فتاوى قديمة أو حديثة، لا قيمة له أمام هذا المبدأ الواضح الصارخ.
 

وما يهم أخيرا هو معرفة أن الدول الغربية ليست جادة في محاربة الحركات الإرهابية أو في القضاء عليها، لأنها صارت تعتاش عليها، وتغطي نسبة كبيرة من ميزانيتها عبر تلك الأسلحة التي تبيعها مصانعها، كما أنها تستهدف إنهاك اقتصادات بعض الدول التي كلفتها بدفع فواتير محاربة الإرهاب، لكنها جادة في محاربة الأنظمة السياسية المقلقة لها على امتداد الرقعة العربية والإسلامية.
 

صار لزاما على الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي لا ترغب بالعمل لحساب الأنظمة السياسية الغربية أن تعمل على إعادة رسم خريطة تحالفاتها، وصارت بحاجة ماسة لإيجاد تكتل قائم على أساس اقتصادي وعسكري يعيد صياغة مفهوم "توازن القوى" لخلق عالم أكثر سلاما واحتراما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.