شعار قسم مدونات

اسقاطات على العلاج الفيزيائي

blogs-علاج

قبل عدة أيام وبالتحديد في يوم الثامن من شهر سبتمبر الحالي احتفلت الأوساط الطبية في مختلف دول العالم باليوم العالمي للعلاج الطبيعي، وهو اليوم الذي أقره الاتحاد العالمي للعلاج الطبيعي قبل عشرين عاماً، أي منذ عام 1996م وذلك ليكون يوم رسمي معتمد للاحتفاء بهذه المهنة وممتهنيها كل عام، علماً أن هذا الاتحاد يمثل أكثر من ٣٠٠ الف اخصائي ينتمون الى ما يزيد عن ١٠١ دولة، ومما يجدر الإشارة إليه أن هذا القرار جاء بهدف رفع منسوب الوعي المجتمعي بهذه المهنة وبدورها البارز في تعزيز الصحة وجودة حياة الفرد والمجتمع في كافة أنحاء العالم.

وما استفزني للكتابة عن العلاج الطبيعي كمهنة برزت أكثر في السنوات الأخيرة في العالم العربي ليس يوم الاحتفاء بالمهنة الذي مر باهتاً مقارنة بالمناسبات الأخرى الذي خُصِصَت لها أيام معينة للاحتفاء بها والتي تحتل صدارة (الترند) بمواقع التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي في الآونة الأخيرة

العلاج الطبيعي لا يقتصر على علاج العظام كما هو شائع ومتداول لدى البعض! بل يتعداها لما هو أبعد من ذلك بكثير

إنما قلة الوعي مجتمعياً بهذه المهنة المؤثرة مقارنة بالمجتمعات الغربية التي تولي اهتماماً بالغاً بها وذلك لإدراكها واستيعابها لأهمية دور هذه المهنة من خلال كينونة وصيرورة عملها التي تهدف إلى عدة مهام كـ: تحسين الصحة والوقاية والعلاج والتأهيل، سواء كدور مساند أو دور رئيسي بحت.
 

المثير للغرابة هو أن نكون بالقرن الواحد والعشرين ومازال هناك أفراد متعلمين يعتقدون أن العلاج الطبيعي أو بمفهوم آخر (العلاج الفيزيائي) هو ما يشبه الطب البديل أو (الحجامة)! وهناك من يظن انه عبارة عن (مساج)! 
 

وإبان تفاوت المفاهيم الخاطئة التي رصدناها، واختلاط مفاهيم علم قائم بذاته مع مفاهيم أرث توارثته الأجيال وامتهنته قديماً ومازال البعض يمتهنه حالياً في بعض الأحياء الشعبية في مختلف الدول العربية، وإن بات بعضه علم يدرس الآن.

نسعى هنا لتوسيع مدارك من لا يعلم وزيادة معرفة من يعلم بأهمية استخدام المصطلحات الصحيحة المتداولة علمياً لأنواع العلاج الطبيعي، فما يطلق عليه مصطلحي (مساج أو تدليك)هو علمياً مصطلح (العلاج اليدوي) وهو نوع من أنواع العلاج يتم باستخدام اليدين ويعتمد على تكنيك ومهارات معينة يتم اكتسابها من خلال دراسات مكثفة لا تمت لـ (المساج) بأي صلة، إضافة إلى ذلك هناك العديد من أنواع العلاج يستخدم كل منها لعلاج حالات مرضية مختلفة على سبيل المثال: العلاج بشمع (البرافين)، العلاج بالتبريد، العلاج بالليزر بأنواعه المختلفة، العلاج بالحقائب الساخنة، والعديد غيرها.

ومما يجدر الإشارة إليه أن العلاج الطبيعي لا يقتصر على علاج العظام كما هو شائع ومتداول لدى البعض! بل يتعداها لما هو أبعد من ذلك بكثير، حيث أنه يعنى بعلاج المفاصل والعضلات، وأمراض القلب، وأمراض الأعصاب، وأمراض الشيخوخة، والسرطان، وطب الأطفال.. إلخ

حتى أنه تخطى علاج هذه الأمراض لعلاج أمراض أخرى كمشاكل زيادة الوزن والصداع والامساك ومشاكل الجيوب الأنفية وغيرها، وهي العلاجات التي تعد جديدة على المجال عربياً بعكس دول الغرب الذين يمتلكون عيادات ومصحات ومنتجعات صحية خاصة لعلاج كل من هذه الأمراض منفردة منذ سنوات عديدة

سواعد أبنائنا ممتهنين هذه المهنة لا تقل كفاءة عن أبناء الغرب، فهم على علم وداريه وبأعلى مستويات الاحترافية والمهنية

لذلك نشاهد السياحة العلاجية لديهم في أوجها في مختلف المجالات الطبية بعكسنا عربياً، وإن كانت السياحة العلاجية قد تقتصر عند بعض متوسطي الدخل على بعض الدول العربية التي لا يتجاوز عددها أصابع الكف الواحدة.

وبالرغم من ذلك نجزم ونؤكد بأن سواعد أبنائنا ممتهنين هذه المهنة لا تقل كفاءة عن أبناء الغرب، فهم على علم وداريه وبأعلى مستويات الاحترافية والمهنية، إلا أن مساحة الإمكانات المتاحة لهم لا تتماشى مع مستوى العلم الذي بجعبتهم!

ففي وقت نشاهد فيه العديد من العرب حملة شهادة (الدي بي تي) وهي شهادة الدكتورة الخاصة بالمجال علاجياً وليس أكاديمياً فقط، والذين يعد بعضهم مخولين بصرف أدوية علاجية وفق مقررات علمية تلقوها تجيز لهم ذلك، إلا أن الحرية الطبية في بلداننا العربية تقيدهم للأسف.

ولكن هذا لا يمنعنا من أن نشيد بمستوى الخدمات التي تقدمها كوادرنا العربية ونسب النجاحات العلاجية التي حققوها في تحسين جودة حياة المرضى ورفع مستوى تعافيهم لدرجة تصل إلى 100/100 في العديد من الحالات، وأن كان هذا يدل على شيء فهو لا شك يؤكد على حرفية وتميز هذه الكوادر المعطاءة الذين نهنئهم بيومهم ونتمنى أن يكونوا كل عام بألف خير وان جاءت تهنئتنا متأخرة.
 

أخيراً نأمل أن يحظى ممتهنين العلاج الطبيعي في بلادنا العربية بمزيد من الحرية الطبية في ممارسة المهنة، كما نأمل أن تكون اسقاطاتنا السريعة على ماهية العلاج الطبيعي استطاعت أن تنور او تفيد من لا يملك معلومات صحيحة أو كافية عن هذه المهنة وعن دور اختصاصيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.