شعار قسم مدونات

فنتازيا قتل الأطفال الجزائريين.. حرس الليل والأموات الأحياء

blogs - child - algeria
الشّتاء قادم "Winter is coming"، عبارة أشدّ وقعًا كثر تداولها في المسلسل الأمريكي الشّهير "صِراع العروش "Game of Thrones " كتهويل للمخاطر التي يمكن أن تعصف بكافّة أطياف المجتمع مع حلول الشّتاء، والمتأمّل لسيمولوجية العبارة بإسقطها على المجتمع الجزائري يوحي بمخاطر إجتماعيّة و سياسيّة واقتصاديّة تكاد تعصف بهذا الأخير، طبعا كغيره من المجتمعات العربية.

دعونا نستهلّ خطابنا بالنّظر في إحدى المخاطر الاجتماعيّة الأكثر انتشارًا وتصعيدًا، إن لم نقل أكثر تنظيمًا، ألا وهي " اختطاف و قتل الأطفال"، كثيرون هم (هارون، إبراهيم، نهال، ناصر … و القائمة طويلة) وبالنّظر إلى مدى سمَاجة و فظاعة الفِعل لا نجد مصطلحا أكثر توصيفا على الفاعلين من القول بأنهم "الأموات الأحياء"، أحياء لأنهم أقدموا على فِعل، وأموات لشناعة الفِعل ذاته، أو على حد قول أحدهم "ليس من مـات فاستراح بميت، إنّمـا الميت ميت الأحيـاء" ، لنا قول في الأحياء الأموات طبعا: "يختطفون و يقتلون أطفالنا وينكّلون بجثثهم، يمارسون طقوسهم بتطرّف، يظهرون وقت ما يرغبون، يصعّدون من أعمالهم الإجرامية.. والغريب بعد هذا أنّهم متتبّعون لما نعلق على فعلهم في الفيسبوك!

أليس علينا التكافّل من أجل حماية أبنائنا من "الأموات الأحياء" خارج بيوتنا الذين سرقوا منّا الجَذل و حولوها إلى ابتسامة مبتذلة ؟!

"سنمسك عقب الجملة و نتأمّل قليلا… ربّما الأحياء الأموات يستمتعون كثيرا بأفعالهم و يسعدون لرؤيتنا نتألم، و إلا لماذا أقدموا على ذلك؟ ! وربما رؤيتهم لردود أفعالنا في الأخبار و والفايسبوك و اليوتوب جعلهم أكثر سعادة!

بالطبع لأن معظم أفعالنا مجرد "تنديدات" تتضمن انتقادا للسّلوك المشين، ولا تتضمن إجراءات فعالة -سنأتي على اقتراح بعضها- من شأنها أن تحدّ أو تقضي على هذه السلوكات المتطرّفة الغريبة عن الإنسان كمسلم، أو الإنسانية كقيمة أخلاقية عالمية.

نَستلهم من عبارة "حرس الليل" المستقاة من المسلسل الآنف الذكر الكثير.. رجال يعملون على حراسة جدار عالي جدا يفصل بين المماليك وما يقع خارجها من أجداث غريبة ومتطرّفة من بينها استيلاء "الأموات الأحياء" على الأطفال ليسدّوا بها رغباتهم الشّنيعة أيّا كانت طبيعتها، هذا كلّه بمعيّة وسيط طبعا، حسنّا، سأكون دقيقا في التوصيف، معظمنا حرس الجدران، نعمل على توفير كل ما نحتاجه داخل جدار الفضاء الخاص-البيت- من حاجيات أساسية و كمالية، لكننا فاشلون في حماية ما يقع خلف جدار بيوتنا – الفضاء العام – ، أليس علينا أن نكون أكثر حزما في حراسة ما يقع في الفضاء العام مثل ما نعمل على حراسة ما يقع داخل الفضاء الخاص؟!

أليس علينا التكافّل من أجل حماية أبنائنا من "الأموات الأحياء" خارج بيوتنا الذين سرقوا منّا الجَذل و حولوها إلى ابتسامة مبتذلة ؟!

فلنصبو ا قليلا عن دائرة الفنتزايا لنكون أكثر واقعية، بعد عشرين قرن ونَيّف تطوّرات كثيرة حاصلة وآليات عديدة نحوزها بين أيدينا، قائمة المجرمين اللاّزم تتبعهم متوفرة لدى الشرطة و الرقابة الأمنية على شرائح الهواتف مُمكنة، أرقام اتصال بالأجهزة الأمنية "خطر خطف طفل" ضرورية جدّا للتّفعيل، أجهزة مختصة في مكافحة اختطاف الأطفال مهمة أيضا.. طبعا شيء من هذا متوفّر، والجهود الأمنية المبذولة لا يمكن إنكارها، لكن حديثنا يركّز على التخصص الأمني في العمل، اسمًا وممارسة، فلا يمكن للرّعيل الأوّل من الأمن أن يواجه التّحديات الجديدة دون استحداث أجهزة أخرى، ولنا في شرطة مكافحة الجريمة الإلكترونية مثالاً واضحا للتّخصّص الأمني، كذلك هو الشأن بالنسبة لاستحداث خلايا أمنية لمكافحة اختطاف الأطفال.

لن نقف عند دور الأجهزة الرّسمية فقط، بل نحن في حاجة إلى توليفة مشتركة بين الفواعل الرسمية وغير الرسمية معًا، هنا لابد من إبراز الدور الفعال للمجتمع و التكافل من أجل مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، طبعا للعمل الجمعوي التّطوعي اسهام كبير في كافة سبل التنمية الإنسانية، لكن ما الفائدة منه أيضا اذا كان الانسان نفسه مهدّدا، أليس علينا استحداث جمعيات جديدة أيضا – وطنية ومحلية – تحتوي هذه التهديدات الجديدة؟

ظاهرة اختطاف الأطفال و قتلهم من التهديدات المجتمعية الخطيرة جدا و التي يصعب على العقل تقبّلها، وإن أردنا أن ننجح فعلا في مواجهتها علينا أن نباشر التطبيق من الآن

فلا يمكن لجمعية كافل اليتيم وحدها أن تكفُل حماية الأطفال غير الأيتام من الاختطاف، بالتالي إن استحداث جمعيات تنشط تحت مسمى "جمعية مكافحة اختطاف الاطفال" ولو توعويا بخطورة هذه الظاهرة و سبل الوقاية منها في إطار أيام أو أسابيع تثقيفية و تدريبية حول كيفية التعامل مع الخاطف من طرف الطّفل الضحية و الولي المسؤول و المواطن المشاهد ، من شأنه أن يحول أو يقلل على الأقل من هذه الظاهرة.

المناداة بتطبيق عقوبة الإعدام على الخاطفين وسيلة هي الأخرى فعّالة، قد تتضارب الرّؤى حول تطبيقها والاستجابة لها قانونيا، كل طرف يبرر وجهة نظره بحجج معيّنة، خصوصا مع مراعاة الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي تمنع مثل هذه الممارسات ، لكن لماذا نٌكسب مجرمًا حماية بموجب حقوق الانسان وهو الذي انتهك حقًّا طبيعيا لطفل بريء بمنعه من الحياة ،أوليس حق الطّفل البريء أولى من حق المجرم؟

ختاما، يسعنا القول بأن ظاهرة اختطاف الأطفال و قتلهم من التهديدات المجتمعية الخطيرة جدا و التي يصعب على العقل تقبّلها، وإن أردنا أن ننجح فعلا في مواجهتها علينا أن نخرج من حلقة الينبغيات ونباشر التطبيق من الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.