شعار قسم مدونات

أما نحن فالحياة علينا حرام!

blogs - poor - Palistine2
استيقظ مبكرًا على صوت طائرات الاستطلاع التي نخر أزيزها في رأسه كل صوب، تناول منشفًة وراح ليغسل وجهه لكن الماء كان مقطوعًا، بلل وجهه ببضع قطرات من الماء الذي وضعته أمه إلى جانب المغسلة للاستخدام الطارئ، ثم ارتدى ملابسه وخرج من تحت سقف الصاج الذي ينفث النار إلى داخل ما يسمى بيتًا، يهرول بحذائه القديم على أرض ترابية حتى داست قدماه في الطين وماء قذر ينبع من إحدى نقاط الصرف الصحي في شارعهم، ثم قفز بضع خطوات حتى ابتعد واقفًا على الخط السريع ينتظر من يقله، انتظر وانتظر حتى آلمته قدماه.

جر قدميه خارجًا شارد الذهن حتى أيقظه من غفلته صوت هاتفه يرن، فتناوله من جيبه وأجاب على المتصل :" أخي، طمأني هل عبرت بسلام"

تذكر أن المحروقات مقطوعة منذ أسبوع، فأخذ يركض من شارع إلى آخر وعيناه تنظر إلى الساعة تارة وإلى الطريق تارة، حتى أوقفه جسد نحيل لم يتجاوز السابعة يطلب أن يشتري منه بعضًا من المناديل فأخرج من جيبه "شيكلًا" كان ينوي دفعه لسيارة الأجرة وألقاه بين أنامل الصغير والتقط مناديل الورق ليمسح العرق عن جبينه، ثم استمر يحث الخطى حتى وصل إلى المكان المنشود، "لقد تأخرت قليلًا" قال في نفسه، ثم قرر أن يستخدم المصعد الكهربائي عله يصل أسرع، لكن الكهرباء كانت مقطوعه، فاتخذ سبيل الدرجات مهرولًا يجري حتى انقطعت أنفاسه واقفًا على باب المكتب.

"لقد جئت لمقابلة عمل" خاطب السكرتير الذي أدخله إلى مكتب المدير، جلس أمامه يلتقط أنفاسه المقطوعه، فأخبره ذاك الجالس هناك أن التأخير ممنوع في العمل فما بالك بمن يتأخر عن مقابلة عمل، فأما المطلوب فخبرة لا تقل عن خمس سنوات ودورات تدريبية ودراسات عليا ولغة إنجليزية ويفضل بجانبها الإيطالية، فهل تمتلك ما ذكر.

ابتلع ريقه وتسمرت عيناه ثم قال بصوت منخفض : "أما الخبرة فلم يقبل بي أحد للعمل من قبل لأكتسبها وأما الدراسات العليا فلا يقدر عليها بسيط مثلي وأما .."، قطع صوت المسكين ضربة من ذاك المتفاخر بكفه على الطاولة ثم قال:" وأما أمثالك فلا مكان لدينا لهم".

فانسحب بخطواته اليائسة ينزل الدرجات نحو الخارج خطوة خطوة، تابع سيره حتى وصل إلى باب صيدلية يطلب الدواء الذي أوصته أمه شراءه قبل خروجه صباحًا، لكن الصيدلي اعتذر منه فالدواء مقطوع منذ مدة .

جر قدميه خارجًا شارد الذهن حتى أيقظه من غفلته صوت هاتفه يرن، فتناوله من جيبه وأجاب على المتصل :" أخي، طمأني هل عبرت بسلام".

"لم أعبر لا بسلام ولا بغيره، طالت قائمة أسماء المسافرين ولم يكن لي نصيب في السفر، وأغلقت الأبواب وها أنا ذا عائد إلى البيت .." انقطع الصوت، فنظر إلى هاتفه التي اسودت شاشته وكتب عليها " البطارية منخفضة، يرجى وصل الشاحن"
فألقى بالهاتف في جيبه وقال :أما نحن فنرجو الحياة والحياة علينا حرام".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.