شعار قسم مدونات

لستُ طائفياً.. ولكن!

سوريا- شعارات طائفية

أمقت الطائفية وأكره الحديث عنها، ولا أكتب هذه الكلمات من باب إثارة الفتن أو النعرات، فقط أريد أن أسمي الأشياء بمسمياتها، وأن أتطرق إلى بعض ممارسات النظام الأسدي الطائفي بحق الطوائف الأخرى من تهميش وإقصاء وترهيب منذ أكثر من أربعين عاماً وحتى يومنا هذا.
 

لم نكن قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 نسمع عن الطائفية في مفردات حياتنا اليومية، ليس لأن النسيج الاجتماعي كان متماسكاً كما يزعم البعض، بل لأن نظام الأسد ومنذ توليه السلطة في سبعينيات القرن الماضي، دأب على كم الأفواه وترهيب واعتقال أو نفي كل الأصوات التي نادت بالمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع السوري على أساس الكفاءات والقدرات، وكرّس الطائفية التي نسمع صداها اليوم عبر تميز أبناء طائفته وتسليمهم أهم مفاصل الدولة، وجعلهم رقباء يجثمون على صدور المستضعفين من أبناء الطوائف الأخرى في مختلف مجالات الحياة بدءاً بالدراسة، مروراً بالعبادة، وانتهاءً بالعمل.
 

فمنذ نعومة أظافرنا، عندما كنا في المرحلة الابتدائية، كان لازماً علينا تمجيد الأسد الأب والتسبيح بحمده، هكذا دون أن نعي أسباب ذلك التبجيل، بقينا كذلك حتى وصلنا إلى المرحلة الثانوية، لتعترض طريقنا أولى حواجز الأسد الطائفية، فقد كان في كل شعبة واحداً على الأقل من أبناء الطائفة العلوية، واجباته مخابراتية بحتة، ليست كواجباتنا المدرسية، حيث كانت مهمته الأولى تعقب أبناء الطوائف الأخرى وسماع أحاديثهم والاطمئنان على أنها بعيدة كل البعد عن المساس والنيل من هيبة الدولة الأسدية.
 

طوال خدمتي الإلزامية التي تنقلت فيها بين عدة قطع عسكرية كان من المسلّمات أن يكون ضابط الأمن من أبناء الطائفة العلوية

مثلاً الطالب الذي يحمل السّبحة في المدرسة حتى وإن كان يستخدمها للدبكة في الاستراحة بين حصتين، كان تقريره يصل إلى مدير المدرسة مباشرةً، فتحركاتنا وأحاديثنا جميعها مراقبة.
 

في المرحلة الجامعية تزداد العراقيل والحواجز الطائفية. تحدّث بما شئت، لكن إياك ثم إياك مناقشة مواضيع تتعلق بالسياسة أو الدين.
 

في المجتمع الجامعي كبرنا وكبرت معنا الواجبات المخابراتية المنوطة بأحد أبناء الطائفة العلوية، فكنّا مطوقين دائماً بذلك الرقيب العتيد.
 

خلال مرحلة الخدمة الإلزامية تتجلى الطائفية المقيتة بأبشع صورها، فطوال خدمتي الإلزامية التي تنقلت فيها بين عدة قطع عسكرية كان من المسلّمات أن يكون ضابط الأمن في جميع القطع من أبناء الطائفة العلوية، وكانت الواجبات المخابراتية تقع على عاتق صف الضباط المتطوعين من أبناء الطائفة العلوية لمراقبة سلوكنا وأحاديثنا.
 

فمن تظهر عليه من الملتحقين بالخدمة بعض علامات الالتزام الديني، كان قرار نقله يأتي سريعاً إلى القطع العسكرية في المحافظات النائية بعيداً عن الأماكن الحساسة.
 

في العمل، في الدوائر الحكومية، في أرزاق آبائنا، كان شبح العنصر ذي الواجبات المخابراتية يلاحقنا دائماً.
 

في العمل، في الدوائر الحكومية، في أرزاق آبائنا، كان شبح العنصر ذي الواجبات المخابراتية يلاحقنا دائما.

وعلى مدار أربعة عقود كان لابد لنا من التزام الصمت على الممارسات الطائفية الممنهجة التي يمارسها نظام الأسد الطائفي ضدنا عبر أبناء طائفته.
 

بعد مرور خمس سنوات ونيّف على اندلاع الثورة السورية التي عرّت الجميع وأسقطت ورقة التوت الأخيرة عن جسد نظام الأسد الطائفي الذي استخدم أبناء الطائفة العلوية وحرضهم على قتل وتهجير وتدمير منازل أبناء الطوائف الأخرى (الطائفة السنية كان لها النصيب الأكبر)، هل نصمت؟. وهل نكون طائفيين إذا وضعنا النقاط على الحروف وقمنا بتسمية الأشياء بمسمياتها بعيداً عن الزخرفة والتجميل.
 

يحاول البعض قلب المفاهيم واتهام أبناء الطائفة السنية بالطائفية، في محاولة لمساواة الجلاد بالضحية، ومحاسبة الضحية على ردة فعلها، متناسين السوط الغليظ الذي حفر على ظهورنا علامات الاستبداد والعبودية بطابع طائفي مقيت على مدار عقودٍ من الزمن.
 

لستُ طائفياً، لكن حبال الطائفية تحاصرني منذ نعومة أظافري وحتى تهجيري قسرياً بعد قصف منزلي، لستُ طائفياً، لكن الواجبات المخابراتية المزروعة بيننا على أساس طائفي تلاحقني دائماً من الطفولة إلى خيمة اللجوء.
 

نعم أمقت الطائفية، وأكره الحديث عنها، لكن إذا كان مفهوم الطائفية لدى البعض يتلخص بتزييف الحقائق، وإجبارنا على الصمت بعد أن دفعنا ثمناً باهظاً لصمتنا عقوداً طويلة، بينما يقتلنا ويسير بجنازتنا من يدّعي حب الوطن زوراً وبهتاناً.
 

إذا كان يجب علينا أن نختار بين أن نصمت وننسى حقوقنا ونبلع السكين على الحدّين أو أن نُصنّف  طائفيين..بهذا المفهوم أنا طائفي، ويا أهلاً ومرحباً بالطائفية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.