بإلقاء نظرة سريعة على الفتيات في محيطك، وقليل من المُتابعة الجيدة للسوشيال ميديا بإعتبارها مساحة لا يُستهان بها في عرض الآراء وتبادُلها، فإنك لن تكون في حاجة إلى الكثير من دقة الملاحظة لتُدرك أن صديقتي ليست وحدها في كل هذا .. هو طَرح تقليدي ومُنتشر للغاية، هناك دائِمًا من يصنعون تعارُضًا بين أي أنشطة أو اهتمامات خارج حدود الدائرة النظامية المعروفة من طعام وشراب ودراسة وواجبات اجتماعية وبين بعض الأعمال الروتينية المُتعلِّقة بإدارة الشؤون المنزلية، في محاولات ضمنية مُستمرة للتأكيد على أن تلك الثانية هي المكان الطبيعي للفتاة و جوهر دورها في الحياة بعد الزواج – المحتوم – ، على عكس الأولى التي لن تنفعها بشكل عملي حقيقي في المُستقبل..
تأطير المجتمع لدور الزوجة، جعل الفتيات ينفرن من فكرة الزواج. |
كنتيجة سيكولوجية طبيعية، ارتبط الزواج ذهنيًا عند فتيات اليوم بذلك النوع المذكور من الأعمال مع التشديد المُستمرعلى أنها أهم ما يقوم عليه البيت ورعاية الأطفال فيما بعد، و كنتيجة طبيعية كذلك .. يكون النفور من هذا الدور المرسوم لهن دائِمًا، والاحتقار أحيانًا كما حدث مع العينة المذكورة في بداية المقال، ثم يمتد في مرحلة متقدمة – موجودة حاليًا- إلى النفورمن الزواج أصلاً! و يستقر في نفوسهنَّ أن يعشنَ أكبر فترة ممكنة قبل هذا (السجن) و مقبرة الاهتمامات .. لتبدأ بعدها سلسلة الإتهامات بالتمرُّد والفساد من نفس الذين شوَّهوا منظورها عن دورها المُنتظَر في الحياة بالمقام الأول !
منذ حوالي ستة أشهر، تم إعلان موافقة وزير الصحة المصري على تعديل ما يُسمى بـ "الوصف الوظيفي" للصيدلي الحكومي والاكلينيكي ليُصبح "طبيب صيدلي" لما لهذا التعديل – على حد تعبيرهم – من قيمة معنوية ووظيفية على الصيادلة، واتاحة الفرصة لمشاركتهم بشكل أكثر فعالية في المجال الطبي .. ولسنا هنا لمناقشة هزلية الأمر في وضع بلد مثل مصر فهو ليس موضوع المقال كما يبدو بالطبع، ولكن نزعَة تأمُّلية بسيطة قد تدفع بك إلى التفكير بالخبر من منظور آخر..
مفتاح التغيير في أيدي الفتيات وحدهُن؛ أمامهُن طريق طويل لفِهم الغايات الشخصية والأولويات. |
أخبرني كم عدد الأمهات اللآتي يستَطعن تربية طفل قادر على الحد الأدنى من التفكير في ظل عصر العولمة والتدفق المعلوماتي الرهيب الذي نحياه الآن؟ من أين لطفلها بمبادىء و أٌسس نفسية سوية إذا لم تكن المسؤولة الأولى عن تربيته تمتلكها أولاً؟ من أين لها هي بالفطنة والذكاء الإجتماعي القادر على خلق أُسرة متزنة إجتماعيًا وعاطفيًا إذا لم تكُن على وعي كافي بالحياة من حولها؟! تطوَّرت الحياة وإختلفت معها المسؤوليات و بالتالي الأدوار اللازمة للقيام بها، أدوار في حاجة إلى سعي وعلم أكبر من المنحصر بين جدران المنازل وأحيانًا أكبر من النصائِح المُجرَّدة لأصحاب الخبرات السابقة، من أبسط سُنن الحياة أن الخبرات تختلف بإختلاف الزمن نتيجة لإختلاف المُعطيات ومعها نفسية المُتلقين
إن بديهيات الأخلاق والمبادىء الدينية العامة – بالنسبة لمُعتنقيها- لم تعد كافية كافية للقيام بعمليات "البناء" و"التربية" التي يزعم المرَبون إعداد الفتيات لها، وللأسف أن نظرة الأغلبية للأطروحات المماثلة لا تختلف كثيرًا عن نظرتنا لقرار وزير الصحة .. مفتاح التغيير في أيدي الفتيات وحدهُن؛ أمامهُن طريق طويل مع فِهم الغايات الشخصية والأولويات، وإختيار السُبل الصحيحة لتحقيقها، ومواجهة المجتمع التي تأتي بعد ذلك، والذي لا يبدو أن الطريق الصِدامي سيكون حلًا مناسبًا معه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.