شعار قسم مدونات

أطفالٌ ولكن

blogs - child - poor
قبل أيام وبعد فترة ابتعادٍ عن موقع التواصل الفيسبوك بدأت أتصفحه من جديد وكنت ظاناً غير متأكد من أنّ ساحة العراق تخلوا من حوادث وانفجارات بغرابة، وبعد عدة بوستات لفت انتباهي صورة لعدة فحمات كبيرة بعض الشيء عن المعتاد ! أكملت التصفح وإذا بنفس الصورة ينشرها شخص آخر وآخر بعده وتتناقلها صفحات عدة، ما الخبر؟!

إنها فحمات لكن لم يتم استخراجها من باطن الأرض على وجه العادة بل هي فحمات بشرية، بل هي جثثٌ لأطفال بالكاد تفتحت أعينهم على الدنيا، السبب هو إهمال من قبل المسؤولين على مستشفى اليرموك في العاصمة بغداد أدى إلى نشوب حريق في قسم النسائية والتوليد استباح بدوره ١٣ بذرة (رضيع ) من بعض الأمهات وكأنه استباح قلبهن، والمخزي في الأمر أن لجنة التحقيق قالت بأنه حريق متعمد!! كيف لقلب إنسانٍ ان يفعل هذا! وما قوله حين يقف بين يدي ربه؟!

بدل أن تكبر البذرة لتصبح ثمرة خضراء بلون السعادة والحياة أصبحت بلونٍ أسود اسودت معه قلوب أمهات لا ذنب لهن سوى العيش في وطن كتب على أبنائه تحمل مسؤولية الموت منذ أول يوم ولدوا فيه على هذه الارض!

يدفعه الخوف من أن يفقدها قبل أن تكون حقيقة إلى أخبارها في رسائله بأن تبقى حيث هي في بطن أمها التي لا يعرف أين هي ومن ستكون!

لذا أغمضي عينيك طفلتي فعلى هذه الأرض ما يستحق (الموت)، أغمضيها حتى لا تُخجلي والدك يوماً بسؤال يتمنى لو يدفن حيا ولا يجيب عليه، أغمضيها وطيري كالعصافير في دنيا عينيك فقط وعيشي كطفلة تعشق الطيران في السماء، اغمضيها حتى لا تطلبي يوماً لعبة سوداء كهذه التي في الصورة ضنا منك انها لعبة!

ومنها إلى فلسطين ورواية يامن نوباني (صوفيا لا أحد) الذي يبدأ بإهداء إلى طفل في مخيّلته يدعى زياد فيقول في رسالةٍ كتبها له: إلى زياد الذي وعد بأن لا يأتي وأوفى بوعده. ثمّ يرزق يامن في روايته بطفلةٍ في عالم خياله يسميها صوفيا ولم يراها ابداً ولا يدري من تكون أمها أو أين هي!

فيضل يبعث إليها الرسائل والأخبار ويحدثها عمّا يفعله جنود الاحتلال بأطفال الحي الذين يفقدون حياتهم قبل أن يأخذوها، ثم يتسائل عن صوفيا فيبعث في نفسه شكوك الخوف أن جنديا إسرائيلياً قد أخذ حياتها بطلقة عابرة واختطف أمّها أو أنها قد اختُطفت فور دخولها إلى مدينة حيفا المدينة الوحيدة لم يكتب الرسائل منها حذراً من أن تقع رسائله في يدي جنود الاحتلال فيبحثوا عن صوفيا ويهدوها رصاصة الموت على أرض الحقيقة.

فيدفعه الخوف من أن يفقدها قبل أن تكون حقيقة إلى أخبارها في رسائله بأن تبقى حيث هي في بطن أمها التي لا يعرف أين هي ومن ستكون! حتى أنه يخاف أن تسأله: بابا أين أطفال الحي؟ ولمَ لا ألعب مع أحدهم؟! فلا يدري حينها ماذا يقول.

يختتم روايته برسالة من القلب لكل أولئك الذين لم يكبروا ولن يكبروا إلى أكثر مما وصلوا إليه الذين خطف الرصاص بصرهم مبكراً إلى العصافير فوق وتحت كل ذرة تراب من الوطن.

ومني إلى الرُضع الذين احترقوا وإلى الطفلة صوفيا التي لم تولد بعد وإلى ذلك الطفل الذي أصبح لاجئا وكلم البحر الذي أخذ حياته أنا متأكد أنكم أصبحتم الآن ملائكه تطيرون في السماء، لا تصمتوا أمام ربكم واشكوا من فعل بكم هذا له قولوا له كيف أصبحتم جثثاً سوداء صغيرة وكيف أنجب البعض أطفالاً في مخيلتهم حتى لا يفقدوهم قولوا لربكم كيف أكل البحر بعضكم، اطلبوا منه الغيث وارجوه وناجوه وأنتم بقربه وحاشا لله أن يرّدكم، وسامحونا أمامه لأننا كنّا جمهوراً نشاهد فيلماً ليس سينمائياً بدقة الحقيقة كان ضحيته أنتم.

أغمضوا عينيكم هنا وافتحوها هناك بدون رمشٍ حتى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.