شعار قسم مدونات

كلمة "عقبال" لن تجعلنا سعداء!

blogs - window
منذ الطفولة وأنا أنزعج من كلمة "عقبال" التي تقال لي حين أنجز أي عمل أو يتحقق أي خير في حياتي، لأن الشعور الذي تتركه الكلمة هو أن الحاضر، مهما كان فيه من خير، فهو غير كاف وننتظر المزيد.

مهما حصّلتُ من رتبة دراسية فإن "مبروك" ينبغي أن يتبعها "عقبال الدكتوراه"، بمعنى "لا تفرحي كثيرا لأن أمامك طريق طويل فالكمال لا يتحقق إلا بالدكتوراه". حين تتزوّج إحداهن وأقول لها "مبروك"، فالجواب "عقبالك"، بمعنى "ننظر إليك بعين الشفقة إذ نرى أن لديك مشكلة، لذا سوف ندعو لك بأن تتزوجي".

التشجيع بـ"عقبال" مفادها أن الهدف من الحياة هو النجاح وليس السعادة، والطمع وليس القناعة، والمنافسة وليس الغبطة.

وحين أتساءل عن جدوى كلمة "عقبال" يقال إنها من باب التشجيع للأكمل أو التفاؤل بالأمثل أو الدعاء بالأفضل.

لكن كثيرا ما نغفل عن المعاني التي تنطوي عليها عباراتنا التي نقولها من باب الدعاء بالخير.. وننسى أن الدعاء عن ظهر الغيب أدرأ للأذى الذي قد يأتي بشكل غير مقصود حين لا نخاطب الآخرين بعناية.

أرى أن التشجيع بـ"عقبال" يضر أكثر مما ينفع، فهو افتراض بأنك أدرى بمصلحة الآخر منه، وأدرى بما فيه سعادته، وافتراض بأنه كسول لا يتوق إلى النمو إلا حين تذكّره بالسُّلَّم الذي ينبغي عليه تَسلُّقه.

لكن مَن منا لا يطمح للمزيد في حياته؟
النفس الإنسانية بطبيعتها تواقة إلى الأفضل، ولا يحتاج المرء إلى وسيلة تشجيع أكثر من الاعتراف بشرعية وجوده من غير شروط، والاحتفال بإنجازاته من غير التركيز على ما تبقى عليه إنجازه، واللطف بإخفاقاته من غير وصمه بالعار.

إن كان هناك من لا يطمح للأفضل فعلى الأغلب أنه مكتئب، وعلى الأغلب أن اكتئابه نابع من شعور غرسه آخرون فيه بأنه غير كاف، وأن حالته دون التوقعات، وأن حاضره ناقص، وأنه عاجز عن التقدم بالسرعة المطلوبة، وأن عليه أن يتحمّل فوق طاقته، وأن هناك من هو أفضل منه.

التشجيع بـ"عقبال" مفادها أن الهدف من الحياة هو النجاح وليس السعادة، والطمع وليس القناعة، والمنافسة وليس الغبطة.

كلمة "عقبال" نظر لانهائي إلى المستقبل ورفض للاستمتاع بالحاضر. كيف أضمن أنني سأجد السعادة في المستقبل إذا كان كل مستقبل ينبغي فيه التطلع إلى مستقبل وراءه؟ قد كان هذا الحاضر في الماضي مستقلا كنت أظن أن فيه سعادتي، وهاهو أمامي لكن لا أستطيع أن أستمتع به لأن مستقبلا جديدا أصبح يحدّق بي.

نحن نركز على المستقبل لظننا بأنه سيقود إلى السعادة، لكننا بذلك نحرم أنفسنا من سعادة الحاضر والمستقبل على السواء.

تحقيق الأماني يحقق السعادة.. نعم.. لمدة خمس دقائق، لكن سرعان ما تأخذنا العادة في تأجيل السعادة إلى وقت آخر لا يأتي.

النجاح الذي يتم تحقيقه من دافع السكينة والرضا عن الذات أفضل من النجاح المدفوع من قبل الشعور بالنقص، ذلك الشعور الهدام الذي يسلب الطاقة ويعيق الإبداع.

إن أردتني أن أكون سعيدة فأسعدني في الحاضر، وبذلك على الأغلب أنني سأكون سعيدة وناجحة أيضا في المستقبل.

السعادة والنجاح ليسا متناقضين، بل إن السعادة أدعى للنجاح، لأن فيها نفسية مطمئنة وإيجابية ومتفائلة وأكثر نشاطا.

النجاح الذي يتم تحقيقه من دافع السكينة والرضا عن الذات أفضل من النجاح المدفوع من قبل الشعور بالنقص، ذلك الشعور الهدام الذي يسلب الطاقة ويعيق الإبداع.

أما السعادة، فهي في الأساس لا تحتاج إلى النجاح أو أي مبرر آخر، إذ يمكن أن نجدها بأبسط الأشياء من حولنا الآن.

كلمة "عقبال" على الأرجح أصلها "عقبى لـ"، كما في "عقبى الدار" التي وردت في القرآن، لكنها لم ترد متلازمة مع الدكتوراه، أو المنصب الرفيع، أو الزواج بشخص من علية القوم، أو غير ذلك من المراتب الدنيوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.