شعار قسم مدونات

الصومال.. صورة سلبية من الواقع الانتخابي

blog انتاخابات الصومال

بشيء من التمعن والتفكير في واقع الصومال المُقبل على موسم انتخابي – طال انتظاره – يلاحظ أن هناك نوعا من التذمر واليأس لدى النخب الواعية وعامة الشعب؛ وذلك لما يلوح في الأفق من المخرجات المتوقعة من عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية غير المباشرة.

فالانطباع السائد هو أن الجزاء من جنس العمل؛ وأنه لا يُجنى من الشوك العنب؛ وبالتالي فالكل يتساءل.. فمن أين يأتي الإصلاح والحكم الرشيد عندما تنحصر المنافسة بين الراشي والمرتشي. ويعتزل السياسة كل الشرفاء ؟، لأن الثابت علميا أن المقدمات الصحيحة تؤدي لنتائج صحيحة.
 

كثيرون لا يبالون بما ينفقونه من أموال طائلة في مسيرتهم نحو العضوية في أحد مجالس الدولة، بدءا من رسوم التسجيل الباهظة وانتهاء بالرشاوى.

وحتى يفهم البعيدون عن المشهد السياسي في الصومال نقول باختصار أن الساحة مفتوحة فقط لهؤلاء الأصناف، فمن أراد تحقيق مكسب أو منصب سياسي كأن يسعى لعضوية البرلمان فعليه أن يستعد للخوض في معركة من نوع آخر تبدأ من الرشوة وتنتهي إليها.. شاء أم أبى.
 

وهو ما يجعل الشرفاء يعتزلون الميدان باستثناء قلة قليلة يؤمنون أن إفساح المجال للفاسدين يعني مزيدا من التلاعب بمصير البلاد والعباد؛ ويرون أنه لابد من إنقاذ الموقف من خلال مزاحمة أهل الباطل ومنافسة أهل السوء بشتى الوسائل المباحة شرعا، والمستباحة للضرورة.. كما يزعمون.

كثيرون لا يبالون بما ينفقونه من أموال طائلة في مسيرتهم نحو العضوية في أحد مجالس الدولة، بدءا من رسوم التسجيل الباهظة وانتهاء بالرشاوى التي يُفترض دفعها لشراء أصوات الناخبين -كخيار لا مفر منه- وربما أيضا شراء ذمم شيوخ القبائل بحسب مستوى المنافسة، وقد يصاب أحدنا بالذهول عندما يعلم أن متوسط المبلغ المفروض رصده للفوز بعضوية مجلس البرلمان قد يصل إلى ما يزيد عن 50 ألف دولار أو ما يقل عن ذلك قليلا بحسب مستوى الناخبين من جهة ومستوى المتنافسين إلى المقعد البرلماني من جهة أخرى.

علما أن عدد الذين ينتخبون البرلماني الواحد يصل إلى 51 شخصا من أبناء دائرته الانتخابية وفق محاصصة قبلية متوافق عليها. وفي مرحلة لاحقة ينتخب نواب مجلسي الأعيان والنواب رؤساء المجلسين ونوابهم ثم تتم عملية انتخاب رئيس الجمهورية من قبل النواب بحسب جدول زمني محدد قبيل نهاية العام الجاري 2016م.

أما مرشحو الرئاسة فيجولون بلاد الغرب والشرق لجمع أموال يخوضون بها المنافسة الانتخابية ذات الطابع المغاير؛ إذ أن ما ينتظرهم ليس الإنفاق على حملة انتخابية بهدف تحسين صورتهم وكسب ود الجماهير عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ وإنما عليهم أن يشتروا أصوات أعضاء الناخبين في مجلسي الأعيان والنواب بطرق غير معلنة، وأن قيمة الصوت تتحدد بحسب ما أنفقه العضو الناخب في معركة فوزه بعضوية المجلس.

 

وبالتالي فالمسألة أخذ وعطاء عبر سماسرة يمثلون الأطراف المختلفة وعبر آليات تمكِّن صاحب الصوت من التفاوض على أقساط المقدَّم والمؤخَّر، وكيفية الاستلام والضمانات والشروط التي يجب أن تكون ميسرة؛ لأن هامش مناورة المرشح الرئاسي ضيق لوجود مرشحين يدفعون أموالا طائلة بدون شروط.
 

كيف يمكن الخروج من قائمة الدول الأكثر فسادا، إذا لم نسع إلى تبني آلية انتخابية تضمن الشفافية، وتستبعد الراشين والمرتشين.

بل هناك من يتكفلون أو يتبنون النواب قبل حصولهم على العضوية في البرلمان بمجرد التأكد من احتمالية فوزهم على منافسيهم في دائرتهم الانتخابية؛ وذلك من خلال تغطية كافة التكاليف المطلوبة من الشخص مقدما؛ على أن يصوت للمرشح الممول له وفق تعهدات بين الطرفين قد تستلزم إعطاء النائب مبلغا آخر من المال أثناء الانتخابات الرئاسية لتشجيعه على الوفاء بعهده في ظل وجود عروض مغرية من قبل المرشحين الآخرين.

ولعل البعض يرون أن في طرحي هذا مبالغة أو التحامل ضد طرف ما ، ولكن على العكس من ذلك فإن هدفي هو تصوير الواقع كما هو؛ آملا أن نهتدي إلى آلية تجنب الشعب الصومالي من الدخول في يد عصابة لا يهمها سوى مصالحها الخاصة واسترداد ما أنفقته في حملتها الانتخابية المشبوهة، ثم يخوضون معركة نهب جديدة استعدادا لسيناريوهات العودة إلى السلطة من جديد في موسم انتخابي آخر. 

والسؤال الأبرز هو.. كيف يمكن الخروج من قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم إذا لم نسع إلى تبني آلية انتخابية تضمن الشفافية، وتستبعد الراشين والمرتشين، وما دور منظمة الشفافية العالمية، فهل هي منظمة تحسن فقط إشاعة الفضائح المالية والإدارية بعد حدوثها أم أن هناك إمكانية لمساعدة الشعوب المقهورة في اختيار أصحاب الأيادي البيضاء من خلال كشف المساوي والممارسات المفضوحة للفاسدين قبل وصولهم إلى السلطة بالطرق الملتوية، مما يكون جزءا من سياسة وقائية نافعة، ومن باب ردع أهل الرشوة الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.