شعار قسم مدونات

الرفيق المنسي

blogs - reading

في محاولة جادة للتغلب على الروتين اليومي المتمثل بتصفح الإنترنت لساعات طويلة قررت أخيرا أن أعود إلى مكتبتي الموجودة في إحدى غرف المنزل والتي تحتوي كثيرا من الكتب في مجالات مختلفة ونجحت فعلاً في اختيار كتاب.

 

عاهدت نفسي أن أكمل قراءته حتى النهاية ورغم أن المكتبة كانت منظمة تنظيما جيدا إلا أن الزيارات الشهرية لها نادرة جدا فالجميع في أوقات الفراغ يكون مشغولاً إما بمشاهدة التلفاز أو بمتابعة صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التي جعلت أفراد العائلة والأصدقاء لا يتحدثون مع بعضهم داخل جلساتهم فالكل منهمك الأمر الذي ساهم بتقليل عدد القراء حيث أصبحت المكتبات خاوية وأكشاك بيع الكتب يتقلص أعداد زبائنها يوما بعد يوم.
 

القراءة لا تزيد على كونها بديلاً عن الفكر الأصيل النابع من الذهن والتي تمكن الإنسان من صقل شخصيته ومهاراته

قد يقول قائل بأن القراءة الإلكترونية حلت مكان القراءة الورقية ولكن هل يسيران بصورة متوازية من حيث الفائدة من خلال تجربة شخصية وجدت فرقا كبيرا بين القراءة الإلكترونية والورقية فالمتعة بأن تمسك دفتي كتاب وتقلب صفحاته واحدة تلو الأخرى وهي التي انعدمت إلكترونيا بل إن القراءة الإلكترونية ترهق الجسد بطريقة الجلوس والنظر لفترة طويلة إلى الشاشة مما سيسبب مشاكل صحية مستقبلاً.
 

بدأنا نسمع في مجتمعاتنا عن مبادرات للتشجيع على القراءة وبعضها نجح ولو بنسبة بسيطة ولكن المبادرات لا تكفي من وجهة نظري المدرسة مسؤولة بشكل كبير في تشجيع الطلاب في سن مبكرة على القراءة.
 

فالقراءة لا تزيد على كونها بديلاً عن الفكر الأصيل النابع من الذهن والتي تمكن الإنسان من صقل شخصيته ومهاراته وقد يصل المرء بعد عناء إلى جانب من حقيقة أو وجه لحكمة بعد أن يكون قد تناولها بفكره وبناها فكرة إثر فكرة بينما يكون مستطيعاً أن يجدها كاملة فى متناول اليد فى هذا الكتاب أو ذاك ويوفر بذلك على نفسه كثيرًا من العناء.
 

يتداول الكثير من الكتاب العرب إحصائيات لعدد ساعات القراءة لدى الفرد العربي ومقارنتها مع الفرد الأجنبي وهي واقع مخيف لا يمكن أن نخفيه لكن لنفكر معاً كيف يمكننا أن نرفع نسب القراءة في مجتمعاتنا باستخدام الوسائل المتاحة من خلال الأسرة والمدرسة وإقامة المبادرات والمسابقات المحفزة وذلك يتطلب جهدا مشتركا من كافة فئات المجتمع.
 

ما من عالم كبير أو مخترع عظيم إلا وكانت القراءة الواعية المستمرة وسيلته إلى العلم والاختراع.

لقد ذُكر عن عباس محمود العقاد أنه قال القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى فإن كانت كذلك فبالتأكيد هي أعمار العلماء والكتاب والمفكرين والفلاسفة الذين يقرأ لهم وما من عالم كبير أو مخترع عظيم إلا وكانت القراءة الواعية المستمرة وسيلته إلى العلم والاختراع.

فمثلاً فيلو مخترع التلفزيون كان تلميذاً مجتهداً ومحباً للقراءة وقد قرأ الكثير من الكتب المتعلقة بالصوت والضوء والسينما الصامتة وكان همه أن يجمع بين الصوت والصورة فظل فيلو يقرأ ودرس دراسة شاقة وقرأ قراءة واسعة حتى توصل إلى ما رغب فيه وقيد اختراع التلفزيون باسمه.
 

الأمم تعظم بما حوته عقول أفرادها أذكر أن أحد الأصدقاء أسس مبادرة تقوم على عمل كتب مسموعة لخدمة المكفوفين فقال لي حينها هناك من فقد نعمة البصر لكنه يبحث بشغف عن العلم والمعرفة وفي المقابل الملايين ممن يبصرون لا يقرأون فالإنسان الذي يمتلك هذا الشغف بلا شك هو إنسان يسعى للتّقدم والتّطور مهما كانت الظروف التي يمر بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.